مارس 19, 2025

الأستاذ/ عبدالشكور قوريري سهل: مقديشو: تاريخ واحداث متنوعة وبداية مرحلة جديدة.

“حمر” أى “مقديشو القديمة”، مدينة ذات حضارة على امتداد التاريخ القديم، اشتهرت بالتجارة البحرية، حيث كان يفد التجار إليها من كل أنحاء العالم القديم والحديث فيما قبل الكوارث التى لازمتها منذ 20 عاما وحتى اليوم، وكانت أهم ممرات القرن الأفريقى إلى دول العالم التجارى الإسلامى منها وغير الإسلامى بازدهارها كميناء هام لتجارة البحر الأحمر والمحيط الهندي.

وتقع مدينة مقديشو علي ساحل المُحيط الهندّي، وتُعدّ عاصمتها وأكبر المُدن فيها, ويبلغ عدد سكانها حوالي 3 مليون نسمة، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة لعام 2024. ، وكانت المدينة علي مرّ العصور مركزاً تجاريّاً مهمّاً، ومُلتقي لِطرق المِلاحة البحريّة، حيث تقع بين أوروبا والقارّة الهنديّة من جهة، والسّاحل الأفريقي والجّزيرة العربيّة من جهة أُخري، ويقع جنوب المدينة مطار دولّي يُطلق عليه مطار عدي الدّولي.

وكانت العرقية المؤسسة لمقديشو والسلطنة اللاحقة موضوعًا مثيرًا للاهتمام في الدراسات الصومالية, وتتضارب الآراء نحو تفسير اسم المدينة (مقديشو)، فمن قائل أنها من كلمتين عربية وفارسية وهما (مقعد + شاه)، إشارة إلى المكان المفضل الذي اتخذه الحاكم مقراً لحكمه، ونطق الكلمتين معاً. أو نسبة للمكان الذي اتخذه الشيخ مكاناً لجلوسه (مقعد الشيخ) والبعض يقول: إن كلمة (مقديشو) معناها المكان الذي تتجمع فيه الأغنام للبيع وعبر عنها الرحالة الغربيون بأسماء مختلفة مثل: (موجوديشيو Mougidshu) و (موجود سكوا Mougoudiskua) و (موجاديشوا Mougadishu) و (مقدشيكو Makdishiku) و (مقديكسو Magdiksu) أو (مجدكسو Magdiksu)، وكل حسب نطقه.

ويقول الاخرين ان أصل تسمية العاصمة الصوماليّة، عندما احتلّ البرتغال الصّومال في القرن 16، حيث أنشأوا فيها مُعسكر للمنفيّين، واطلقوا عليه فاغاديشو، وتُعني المعسكر، وبعدها حُرِّفَ الاسم إلي مقديشو، واشتهرت المدينة بزراعة الموز وقصب السّكَّر والقطن.

ويرجح بعض المؤرخين أن اسم حَمَر أقدم من التسميات الأخرى، لكنهم اختلفوا حول تفسيره؛ لأن الاسم أصبح اسما شعبيا دخل في الشعر والأمثال، ولا يزال الصوماليون يستخدمونه حتى الآن، ومعناها بالعربية “الحمراء”، وقد عرف هذا الاسم في العصور الوسطى، وذهب مؤرخون آخرون إلى أن أصل كلمة “حَمَر” مشتق من كلمة حِمْيَر، وهي اسم لدولة قديمة حكمت اليمن قبل الإسلام، وكانت تسيطر على تجارة سواحل إفريقيا الشرقية، ومنها مقديشو، ثم تناولته عوامل التحريف حتى استقر على شكله الحالي “حَمَر”.

ويقال ايضا عثور وثيقة تنسب إلى رجل يسمى إسمعيل بن عمر بن محمد ورد فيها، إن هذا الرجل من بني عفان وإنه نزل أو هاجر إلى مقديشو عام 149هـ. وكذلك رجل يسمى عقب بن محمد بن إبراهيم الشيرازي المقدشي من قبيلة كنانة من مدينة(مكة)، ولاشك أن إضافة لقب المقدشي إلى اسم هذا الرجل يدل على أن أسرته استوطنت مقديشو فترة طويلة من الزمن.

ولكن الحقيقة التي يشير إليها معظم المؤرخين هي أن الإسلام عرف طريقه إلى مقديشو وهي لم تشتهر بعد، ولم يكن لها هذا الظهور التاريخي إلا بعد أن اعتنق أهلها الدين الإسلامي الذي أعطى للسكان وللأرض أهمية كبرى؛ حيث أطلق اسم مقديشو على ساحل شرق إفريقيا كله التي تشمل زنجبار والصومال وجيبوتي. وأصبحت المدينة منذ دخول الإسلام إليها في القرن الأول للهجرة من أعظم الحصون التي دافعت عن الوجود الإسلامي في إفريقيا، ويذهب بعض المؤرخين إلى أن الفضل في نشر الإسلام في مناطق كثيرة من شرق ووسط وجنوب إفريقيا يرجع إلى السكان الأصليين لمقديشو التي كانت تمتلئ بعلماء ورجال دين قادوا حركة نشر الإسلام في هذه المنطقة؛ حتى أصبح الدين الغالب في منطقة شرق إفريقيا.

وقد وصف الرحالة العربي المسلم ابن بطوطة الذي زار مقديشو عام 1331 نظم الحكم والمجتمع والعادات والتقاليد لسكان المدينة، واحتفاءهم بالفقهاء والزوار وأهل العلم؛ حيث قال في رحلته المعروفة “تحفة النظار”: “وصلنا إلى مقديشو وهي مدينة متناهية في الكبر”، ويواصل حديثه عن الاستقبال والحاوة التي لقيها: “إنه لما صعد الشبان المركب الذي كنت فيه جاء إليَّ بعضهم، فقال له أصحابي: هذا ليس بتاجر وإنما هو فقيه؛ فصاح بأصحابه، وقال لهم: نزيل القاضي! وقالو لي: إن العادة هي أن الفقيه أو الشريف أو الرجل الصالح لا ينزل حتى يرى السلطان، فذهبت معه إليه كما طلبوا…”، ثم يسرد ابن بطوطة ما حدث في حديث مطول عن كرم الضيافة الذي كانوا فيه عند أهالي مقديشو لمدة ثلاثة أيام.

ويقول ابن بطوطة: لما كان اليوم الرابع جاءني الأقاضي والطلبة وأحد وزراء الشيخ (السلطان) وأتوني بكسوة، وكسوتهم فوطة خِزّ يشدها الإنسان في وسطه وذراعه من المقطع المصري مغلقة وفرجية مبطنة وعمامة مصرية، كما أتوا لأصحابي بكساء، ثم أتينا الجامع، فسلمت على السلطان، ثم قال باللسان العربي: قدمت خير مقدم، وشرفت بلادنا، وآنستنا”

ويُعتبر من أشهر النّصب التذكاريّة في المدينة، وتمّ إنشاء هذا النّصب؛ تخليداً لذكري المُناضل السيد محمد بن عبدالله حسن قائد “الدراويش”، حيث كان من أشهر الأبطال والمجاهدين في الصّومال، وكان يُدافع عن الدّولة ضدّ استعمار 3 دول في الوقت نفسه، وهم: إيطاليا، بريطانيا، أثيوبيا، وبعد إعلان استقلال البلاد أُقيم النّصب التذكارّي له.

صارت مقديشو عاصمةً رسمية للبلاد إثر استقلالها في يونيو/حزيران عام 1960 ، وأرستْ الحكومة نظامًا جديدًا للبلاد. وبعد تسع سنين انقلب عليها نظام العسكر بعد أن اغتيل الرئيس “عبد الرشيد علي شرماركي” في مدينة “لاسعانود” شمال البلاد، شهر أكتوبر 1969، فحكموا البلاد 21 سنة. وعاشت أكثر فترات تاريخها المعاصر تحت حكم مركزي بقيادة الرئيس الثالث للبلاد اللواء محمد سياد بري الذي وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري نفذه يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 1969.

ورغم حكم بري الذي يوصف بأنه كان “اشتراكيا دكتاتورياً”؛ فإن مقديشو ظلت تعتبر إحدى أكثر العواصم الأفريقية نظاما وأمنا إلى أن انهار هذا النظام 1991، فسقطت الحكومة المركزية ودخلت البلاد في حرب أهلية طاحنة بين أمراء الحرب العشائريين دامت عقدين، وارتبط بسببها اسم مقديشو بالفوضى وتغيرت معالمها العمرانية والسكانية، وفقدت المدينة عشرات الآلاف من المدنيين قتلى وجرحى.

والجدير بالذكر ان مقديشو تحتوي على العديد من مؤسسات التعليم العالي مثل جامعة مقديشو (MU)  جامعة غير حكومية يسيريها مجلس أمناء ومجلس جامعة، وهي من بنات أفكار عدد من أساتذة من الجامعة الوطنية الصومالية، فضلا عن المثقفين الصوماليين الآخرين الذين سعوا إلى إيجاد سبل لتوفير التعليم ما بعد الثانوي في أعقاب الحرب الأهلية، بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية في جدة، فضلا عن مؤسسات مانحة أخرى، وتعول الجامعة مئات من الخريجين الشباب، وبعضهم يستمر في متابعة درجة الماجستير في الخارج وذلك بفضل برنامج المنح الدراسية. أقامت جامعة مقديشو شراكات مع العديد من المؤسسات الأكاديمية الأخرى، بما في ذلك جامعة البورج في الدنمارك، وثلاث جامعات في مصر، سبع جامعات في السودان، وجامعة جيبوتي، وجامعتين في اليمن. كما تم تصنيفها في قائمة أفضل 100 جامعة أفريقيا على الرغم من البيئة القاسية، والتي تم اعتبرت انتصارا للعمب الجمعوي غير الحكومي.

بينما تأسست الجامعة الوطنية الصومالية سنة 1954 خلال فترة الاستعمار الإيطالي، وتم إغلاقها خلال الحرب الأهلية الصومالية، وأعيد فتحها في 30 أكتوبر 2014 بقرار حكومي تضمن إجراء عملية تجديد بتكلفة بلغت 55.2 مليون دولار أمريكي.

ويوجد ايضا في مقديشو العديد من الأسواق الشعبيّة اشهرها سوق “بكاره” الذي يقع وسطها ويوصف بأنه من أكبر الأسواق في منطقة القرن الأفريقي، إذ يحتوي على مكاتب تجارية لمختلف الشركات الصومالية ويستقطب معظم البضائع من الأسواق العالمية والإقليمية. والمحلّات التجاريّة، والقصور، والمتاحف، والأماكن الترفيهيّة، حيث يُمكن اي زائر تجوّلها، واكتشاف معالم هذه المدينة التي تتميز بإطلالتها السّاحرة علي المُحيط الهندّي.

وتشتهر مقديشو كثرة المساجد بسبب كثرة المعرفة والثقافة الإسلامية والمساجد الأثرية التي شيدت في المدينة كثيرة ومنها:

•مسجد “حمروين” الدي يعتقد أنه من أقدم المساجد التي بنيت في المدينة القديمة, وقد بني هذا المسجد على طراز رفيع من المعمار الهندسي الإسلامي، وتزدان أعمدته الـ81 بنقوش من الآيات القرآنية وزخارف متنوعة.

•مسجد عبد العزيز: وتاريخ بنائه غير معروف، لكن هناك رواية أسطورية شائعة على ألسنة الناس تفيد أنه تم بناؤه في القرن الثاني للهجرة، وتقول الرواية: إنه عندما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابي معاذ بن جبل إلى اليمن تعطلت به سفينته في خليج عدن، وأجبرتها الرياح على تغيير مسارها نحو المحيط الهندي؛ حيث رست في مقديشو، وأقام فيها لفترة. وبعد تغير مجرى الرياح واصل سفره إلى بلاد اليمن. وتقول الرواية التاريخية: إن هذا المسجد بني في المكان الذي أقام فيه معاذ بن جبل ومرافقوه في تلك الفترة.

•مسجد فخر الدين: ويمتاز هذا المسجد عن غيره بأنه مبني من الرخام الأبيض والنقوش والزخارف الكثيرة على جدرانه. وتفيد اللوحة الرخامية المثبتة على محرابه بأنه بني آخر شعبان سنة 667هـ على يد صاحبه الحاج محمد بن عبد الله بن محمد الشيرازي.

•مسجد أربع ركن: يرجع بناؤه أيضا إلى منتصف القرن السابع الهجري، وقد بناه خسرو بن الشيرازي، وتقول بعض الوثائق: إنه كانت هناك كتابات فارسية منقوشة على هذا المسجد قبل حكم السلطان العماني “سيد برغش” لمقديشو.

•مسجد الأحناف: بناه الشيرازيون الذين حكموا مقديشو في القرن السابع الهجري، وقد قام الإيطاليون أثناء احتلالهم لمقديشو بهدم هذا المسجد، وبنوا مكانه مطعما سموه “بار سافويا”.

في السنوات الأخيرة بعد أن أمضت اكثر من 30 عاما عجافا، عانت فيها من الحروب الأهلية, والجفاف، بدأت مقديشو في التعافي من الحړب الأهلية, وقد شهدت المدينة استثمارات في البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية المختلفة, ونهضة وتنمية في التعليم، والصحة، وتطور تجاري واسع النطاق ,لتخرج من مرحلة يعدُّها البعض الأكثر صعوبة في تاريخ البلاد, وهذا يوضح بإبداع الصوماليين الذين كانو في الداخل والمغتربين العائدين الدين فرو البلاد بحثا للامن الي كافة انحاء العالم, وتحتاج فقط إلى بذل جهود كبيرة لمعالجة التحديات التي تواجهها.

ويتوقع أن تلعب مقديشو دورًا مهمًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصومال في المستقبل. حيث تتمتع المدينة بالعديد من المقومات التي تجعلها منطقة جاذبة للاستثمارات، مثل موقعها الجغرافي المميز، وتنوعها الثقافي.

Written by admin
×