مارس 19, 2025

الأستاذ/ عبدالشكور قوريري سهل: شبح النظام الفيدرالي: الي متي سيستمر هذا النظام الذي اصبح شوكة امام بناء دولة قوية صومالية?

عزيزي القارئ قبل أن نتحدث عن النظام الفيدرالي، وهل هذا النظام هو حل مشكلة الصومال أم لا، علينا أن نفهم جيدا ما هو النظام الفيدرالي. وفي هذا التقرير نسلط الضوء على مفهوم الفدرالية وبدايته في الصومال .

الفدرالية أو الاتحادية هي شكل من أشكال الحكم، تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة مركزية أو حكومة فدرالية، ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم والولايات) ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة. أما ما يخص الأقاليم والولايات فهي تعدّ وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصاً عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية.
ويخضع أكثر من 40% من البشر اليوم لأنظمة حكم فيدرالي. .

بداية النظام الفدرالي في الصومال

بعد انهيار حكومة الصومال عام 1991 أصبحت سياسة الصومال معقدة للغاية وكان من السهل على الجميع المهتمين بها في المنطقة والعالم دخول شأن الصومال وخاصة من قبل الدول في الشرق والغرب عبر أيدي دول القرن الأفريقي والخليج وكذلك زعماء القبائل ومليشيات لخدمة اعداء وطنهم .
وباستخدام مثل هؤلاء العملاء، قاموا بالتسويق والمبالغة في العديد من القضايا مثل: فقدان الثقة بين الصوماليين، ولا يمكن ان يتحد الشعب مراة اخري، والنظام الفيدرالي هو حل كل المشاكل بين الصوماليين وكان هدف كل هذه الامور زيادة كراهية الشعب الصومالي وتقسيم الشعب والبلاد حتى يتمكن من تحقيق مصالحهم الخاصة .

وبعدها بدات فكرة النظام الفيدرالي في الصومال إلى مؤتمر المصالحة الصومالية المنعقد في كينيا 2002- 2004 بعد اجتماع استمر أكثر من عامين، وانتخبت أول حكومة فدرالية بزعامة الرئيس الراحل عبد الله يوسف في أكتوبر/ تشرين الأول 2004 حيث تم التفاوض حول النظام الأنسب ليثق شعب الصومال ببعضه البعض. بينما كانت هناك حروب أهلية في البلاد وارتكبت العديد من الفظائع. النظام الذي تعتمده البلاد يمنح معظم الصلاحيات للولايات الأعضاء في الحكومة الفيدرالية، وفي الوقت نفسه يحتفظ بصلاحيات معينة للحكومة المركزية، أهمها الدفاع والقوات المسلحة والمال والسياسة والسياسة الخارجية والهجرة والجنسيات.
كما تم استحداث قاعدة جديدة في ذلك المؤتمر لتكون معيارا لتقاسم السلطة، وهي تعطي 4 قبائل صومالية رئيسية حصة كاملة، في حين تتقاسم القبائل الباقية مجتمعة نصف حصة والتي أصبحت نوعًا من نظام المافيا السياسية.
والجدير بالذكر ان هذه الفكرة ليست المرة الأولى، إذا رجعت إلى فترة الاستقلال عام 1952م حيث اقترح بعض السياسيين الصوماليين اعتماد النظام الفيدرالي بالاعتماد على موارد إقليمهم ولا يهمهم الأقاليم الأخرى، لكن الحزب SYL عارض ذلك بشدة لأن هدفهم كان لتحقيق حلم الصومال الكبير.

واستغرب كثير من الصوماليين عندما تم اعتماد هذا النظام وجادلوا بأن سكان الصومال الذين يتمتعون بكافة متطلبات الوحدة الموجبة للنظام المركزي مثل وحدة الدين والعرق والمذهب والعادات والتقاليد وايضا الصوماليون جميعا مسلمون سنيون شوافع 100%.
إلا أنه كانت هناك فئة اقلية في الطرف الآخر متحمسة لتطبيق ذلك النظام بحجة أن عوامل الوحدة التي يتمتع بها الصوماليون لم تمنع البلاد من الانزلاق إلى حرب أهلية أتت على الأخضر واليابس بعد سقوط الحكومة المركزية مطلع عام 1991م وجادلوا بأنه لو كانت ولايات إقليمية لربما كانت الأوضاع أحسن مما كانت عليه بعد انهيار الدولة.

واحتل الجيش الاثيوبي في الصومال تحت غطاء مساندة تلك الحكومة,وبررت إثيوبيا هذا التدخل بأن المحاكم الاسلامية تهدد أمنها. بدأت الحرب رسميا قبل 20 يوليو 2006 عندما غزت القوات الإثيوبية المدعومة أمريكا الصومال تمهيدا لانتقال الحكومة الفيدرالية الانتقالية إلى بيدوا. دعت الحكومة الفيدرالية الانتقالية في الصومال الإثيوبيين إلى التدخل، عندما أصبح هذا «قرارا غير شعبي». بعد ذلك، أعلنت اتحاد المحاكم الإسلامية أن «الصومال في حالة حرب وعلى كل صومالي أن ينضم للقتال ضد إثيوبيا». وفي 24 ديسمبر، أعلنت إثيوبيا البداية الرسمية لحربها ضد اتحاد المحاكم الإسلامية.

وبحسب الخبراء كانت فكرة الفيدرالية مبادرة من الحكومة الإثيوبية واجتماعاتهم وكانوا من يقفون وراءها وهي مبنية على نموذجهم للفيدرالية، حيث تتكون إثيوبيا اكثر من 90 مجموعة عرقية لها لغات وثقافات وديانات مختلفة. لذلك أعادت ببساطة إنتاج شكلها من الفيدرالية في الصومال، على الرغم من معرفة أن من المستحيل تنفيذ الفيدرالية في الصومال، لأن الصومال واثيوبيا مختلفون تمامًا عن بنيتهم ​​العرقية الاجتماعية وليس لديهم أي شيء مشترك. لذلك كانت الفيدرالية وهيكل تقاسم السلطة 4.5 بين القبائل الصومالية نتيجة للاطماع الإثيوبية.

بعد أن تبين فشل الجيش الإثيوبي في حربها ضد المقاومة اعتمدت الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن الدولي على قوة عسكرية إفريقية جديدة في إطار جهود دعم عملية الاستقرار والسلام في الصومال ومساندة الحكومة الفدرالية الانتقالية وتنفيذ إستراتيجية الأمن القومي وكذلك تدريب قوات الأمن الصومالية وأخيرا المساعدة على خلق بيئة آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية وذلك لبعث الروح في بعثة الاتحاد الإفريقي المكونة من خمس دول شرق إفريقية.

وفي الوقت نفسه كانت الأهداف المعلنة لقوات الافريقية في شأن التدخل في الأراضي الصومالية محاربة ما يسمى بالإسلاميين وحركة الشباب الصومالية وتحقيق السلام في الصومال وحماية للمرافق السياحية التي تجني منها ميزانية كبيرة، إلا أن تواجدهما العلني في إدارة المنطقة، كشف في النهاية عن هدف في احتلال اجزاء اراضي الصومالية وانشاء دولة هشة لا تستطيع حماية سيادتها تحقيقا لمكاسب اقتصادية، ومصالح إستراتيجية.

منذ ذلك الحين تم تمديد مهمة البعثة كل سنة ولم نري تحقيق اي سلام بل زادت الفوضي والفساد الاخلاقي في المجتمع واصدرت تقارير المنطمات الحقوق تكشف ان جنود بعثة الأميسوم قاموا باغتصاب واستغلال النساء والبنات في قواعدهم في مقديشو. وجاء في التقرير «قوات الاتحاد الأفريقي، تقوم بذلك باستخدام وسطاء صوماليين مستخدمة مجموعة متنوعة من الأساليب، بما في ذلك المساعدات الإنسانية، لإجبار النساء والفتيات للقيام بالنشاط الجنسي. كما اغتصبوا النساء جنسيا اللواتي كن يطلبن المساعدة الطبية أو الماء في قواعد البعثة»، ودعت المنظمة «البلدان المساهمة بقواتها والاتحاد الأفريقي والمانحين الذين يمولون البعثة بوجوب التحقق على وجه السرعة في هذه الانتهاكات وتعزيز الإجراءات في الصومال لضمان العدالة» وكان هذا في تقرير من 71 صفحة.

وفي بداية 2009، انسحبت القوات الإثيوبية من الصومال بعد سنتين من المقاومة، الذي أدى إلى خسائر هائلة للجيش الاثيوبي ونهاية نفوذ الحكومة الفيدرالية الانتقالية وتوقيع اتفاق لتقاسم السلطة بين “تحالف إعادة تحرير الصومال” مجموعة منشقة من المحاكم تحت قيادة الشيخ شريف شيخ أحمد ورئيس وزراء الحكومة الفيدرالية الانتقالية نور حسن في جيبوتي.

ويعتقد الان بعض من المثقفين الصوماليين أن مشكلة الصومال هو الغرب الدي يسعى دائما إلى افتعال حرب وفوضي في الصومال لإبقائه ضعيفًا ومشتتًا. وتطمح الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون للظفر بساحل الصومال الذي يبلغ طوله 2100 ميل والغني بالموارد ويكتسي أهمية إستراتيجية، لهذا السبب ملأت البلاد بقواتها، وهاجمتها بقنابل الطائرات المسيرة، وفرضت منطقة خضراء في عاصمتها، وأشرفت على عملية “حفظ السلام” الفاشلة للأمم المتحدة، ونصّبت حكومة شكليّة، ونظّمت تحالف أفريكوم العسكري ودورية بحرية تابعة للاتحاد الأوروبي على طول الساحل الصومالي.

واليوم نري ان كل النخب السياسية الصومالية سواء كانو حكام الولايات ورئيس الدولة والوزراء اُختيروا من قبل أعداء الصومال ومعظمهم أجل خدمة مصالح الدول الأجنبية وليس مصالح الشعب. وتموّلمه الحكومات والجهات الفاعلة الأجنبية والمنظمات الدولية هي صاحبة القرار في طول الصومال وعرضها والكل يعرف ذلك.
إن شعب الصومال غاضب للغاية لأن ما يسمي الامم المتحدة ومنظماته الإقليمية الذي يقاتل من اجل الديمقراطية يرفض السماح للصوماليين بانتخاب قادتهم على مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت، لأنه لا يريد الديمقراطية للصوماليين ويلعب سياسة مزدوجة تجاه الصومال وهي مستمرة حتى اليوم وهم جزء من المشكلة ولا يريدون حلا لهذا البلد لأن وظيفتهم هي تقسيم البلاد وتنتهي بانتهاء الفوضى العارمة في الصومال ويشجعون كل ما من شأنه إعاقة الوصول إلى حكومة فاعلة ومركزية، وهذا هو سر تحكمهم في كل شاردة وواردة في الصومال بما فيها رواتب وأرزاق السياسيين الصوماليين دون استثناء.

بشكل عام تغيرت الخارطة السياسية والديموغرافية في العقود الثلاثة الأخيرة في الصومال؛ حيث لم يعد الصومال كما كان بلدا موحدا له سلطة مركزية على كامل التراب الصومالي، وإنما أصبح كيانات كل كيان منها يتمتع بالاستقلال الذاتي الفعلي الذي فرضه الأمر الواقع وأملتها الظروف فخطر التفكك يهدد وحدة التراب الصومالي، فهناك ولاية صوماليلاند ( في الشمال الغربي ) تسعى جاهدة للانفصال عن باقي الصومال ولكنها لم تعترف بها رسميًا من قبل أي دولة في العالم. كما أنها ليست جزءًا من عملية الفدرالية وتواصل المطالبة بالاعتراف الدولي كدولة مستقلة وهناك بونتلاند ( الشمال الشرقي ) لا تقل شأنا عن صوماليلاند فعلاقتها مضطربة مع الحكومة الفيدرالية مند تاسيسها، وولاية جوبالاند ايضا لا تقل شانا عن صوماليلاند وبونتلاند ، وولاية جنوب غرب الصومال لا زالت تشق الطريق وايضا اقليم جلمدغ وجارتها هيرشبيلي التي لم تتوقفا المناكفات والتجاذبات السياسية وانعدام الثقة بين المكونات المختلفة في هذه الولايات منذ تأسيسهما، إضافة الى ضعف الأداء وقلة الموارد الاقتصادية وخلافات داخلية وسوء الإدارة مما أدى الى شلل شبه كامل لأنشطة المؤسسات المختلفة في الولايات وجميع كل الاقاليم لديها مطالبات متنافسة بالحكم الذاتي على مناطقها والقاسم المشترك بينهم هي إدارات إقليمية مستقلة تأسست على الانتماء القبلي مع كل دولة مستقلة تمثل الإرادة السياسية للقبيلة المهيمنة وسبب كل هذه المشاكل والتحديات في الصومال هو النظام الفيدالي.

وختاما ان بناء الجيش قوي صومالي حاجة ضرورية واذا استمر الوضع على ما هو عليه من بقاء التأزم الأمني والتدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، وهو ما سيفضي في النهاية إلى أن يتجه الصومال إلى دويلات هشة وضعيفة لا تقدر على مجابهة أعدائها والطامحين بثرواتها الاقتصادية.
والسبب في عدم بناء جيش وطني وقوي هو القبلية وتجنيد الرجال ذوي اسوأ اخلاق في المجتمع, وإذا لم نجد حلاً في هذه المشاكل فلن يبني الشعب الصومالي جيش قوي وقادر علي حماية الشعب والبلاد.

Written by admin
×