نوفمبر 6, 2024

الأستاذ/ عبد الشكور قوريري سهل: حصاد حرب السودان بعد عام.. خسائر إقتصادية هائلة.

مر عام كامل على اندلاع الحرب الطاحنة في السودان بين القائد الجيش ورئيس المجلس الانتقالي السوداني الفريق عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي وتحولت واحدة من أكبر أزمات النزوح وأكثرها تعقيدا في العالم. ومنذ 15 أبريل/نيسان 2023، فر أكثر من 8.6 مليون شخص من ديارهم، مع عبور 1.8 مليون شخص، معظمهم من النساء والأطفال، إلى البلدان المجاورة. بحسب الاخبار.

بعد بداية الحرب، أصبحت مطارات السودان مزدحمة للغاية، وخاصة مطار العاصمة الخرطوم حيث اجتمع الدبلوماسيون الغربيون ومندوبو الدول الأوروبية الذين يفرون للنجاة بحياتهم.

علاوة على ذلك شهدت العاصمة موجة من أعمال النهب والسلب للمراكز التجارية والمقارات الحكومية وغيرها في المدينة، نفذت معظمها مليشيات الدعم السريع بحسب مصادر مستقلة
ولا تحظى الحرب في السودان بذات الاهتمام العالمي الذي ينصب على الحرب في أوكرانيا أو الشرق الأوسط.

ولقد انقلبت حياة الشباب رأسا على عقب، وهم غير متأكدين تماما من المستقبل. لقد دمرت الطبقة الوسطى الحضرية في السودان الآن تقريبا: فقد المهندسون المعماريون والأطباء والمعلمون والممرضات والمهندسون والطلاب وكل شيء.

وتواجه العديد من الفئات الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن والحوامل صعوبة كبيرة في الخروج من مناطق القتال أو الأماكن غير الآمنة مما يعرض حياتهم للخطر وهي أكبر أزمات النزوح على مستوى العالم، والمجاعة تلوح في الأفق الآن وتم تذكيره بالفظائع التي شوهدت خلال حرب 2003-2020 في دارفور، حيث ولد.

خلفت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع نحو 17 ألف قتيل ولكن تقديرات عدد القتلى غير مؤكدة إلى حد كبير، ويواجه الجانبان اتهامات بارتكاب جرائم حرب. ونفى الطرفان تلك الاتهامات, ولا يزال غير معروف عدد القتلى من العسكريين.
وأحدثت ايضا دمارا اقتصاديا قدرت خسائره بمليارات الدولارات، وأوجدت وضعا إنسانيا وصف بالأكثر مأساوية في العالم حيث شردت الملايين من منازلهم وأدخلت 25 مليونا في دائرة الجوع، وسط مخاوف من تحولها إلى حرب أهلية شاملة، بحسب أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات.

ولا يزال الآلاف يفرون من بلادهم. وفي جنوب السودان، يصل أكثر من 1,800 شخص يوميا حسب مصادر داخلية
مما يزيد الضغط على الموارد المستنزفة أصلا وكما تشهد مصر وتشاد أكبر تدفق للاجئين .

قد يرى البعض أن السبب الحقيقي للأزمة هو التنافس بين اقوي الرجلين في السودان، عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة، او حاكم الأمر الواقع كما يطلق عليه، وبين محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع أو الميليشيا الموازية للجيش.
ويرى آخرون أن السبب هو تواضع وترفع الكفاءات السودانية عن المنافسة لاستلام زمام أمور السودان وتولي قيادته.

ورغم تحذيرات المجتمع الدولي والأمم المتحدة المتكررة من احتمالات تفاقم الأزمة الانسانية خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، يتمسك كل من البرهان وحميدتي، بموقفيهما، ويصف كل طرف الآخر بـ “الإرهابيين”.

ولا يمكن تجاهل دور القوى الخارجية في تأجيج الصراع داخل السودان، إذ لم يعد خافياً على أحد أن دولاً بعينها تدعم أطرافاً داخل السودان سواء على المستوى السياسي او العسكري أو اللوجستي منها دول عربية ودول غربية مما يُساهم في استمرار الحرب ويُعيق جهود السلام، ولعل آخر تجليات هذا المشهد تلك الشكوى التي قدمتها بعثة السودان في الأمم المتحدة ضد دولة الإمارات.
وبينما تحذر تحليلات بل وحتى مصادر استخباراتية من أن الصراع في السودان قد يتحول إلى حرب بالوكالة بين دول إقليمية ودولية تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة.

خسائر هائلة

تابع السودانيون بألم وحسرة من خلال مقاطع الفيديو المصورة والمنتشرة بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي ما تعرضت له البنية التحتية لعاصمة بلادهم من دمار كبير لا يمكن وصفه، مما طرح تساؤلات عدة عن حجم الخسائر العامة والخاصة من جراء هذا الدمار، وكيف يمكن إعمارها؟ وما حال اقتصاد البلاد بعد كارثة الحرب؟

وعلى المستوى الاقتصادى قدر الخبراء قيمة خسائر الأصول التي دمرتها الحرب حتى الآن، بما بين 500 إلى 700 مليار دولار، ومن الممكن أن يؤدي استمرار الحرب إلى المزيد من الانكماش في قواعد الإنتاج الوطنية وربما انهيار كلي في إيرادات المالية العامة مما يرفع الخسائر بشكل أكبر بكثير من التقديرات السابقة.
والولايات الاكثر تأثرا بالحرب في الناتج المحلي الاجمالي، هي العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة ودارفور وكردفان وسنار والنيل الأبيض. وتتركز معظم قواعد الانتاج والبنيات الأساسية التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد السوداني، في الولايات الأكثر تأثرا بالحرب حتى الآن.

أن القطاع الصناعي هو الأكثر تأثرا حيث تشير التقديرات إلى فقدان نحو 75 بالمئة من وحداته الإنتاجية يليه قطاع الخدمات بنسبة 70 بالمئة فالقطاع الزراعي بنسبة 65 بالمئة.
وتعرضت البنية الصناعية في البلاد؛ إلى دمار وتخريب كامل، فبالتزامن مع العمليات القتالية؛ انتشر المئات من اللصوص والمتفلتين في المناطق الصناعية ونهبوا كل شيء بما في ذلك الماكينات وأجزاؤها والمواد الخام والمخزون الإنتاجي وحتى اسقف المباني واجهزة التكييف والإضاءة.

تعرضت أكثر من 300 منشأة تاريخية وحيوية في الخرطوم ومدني ودارفور وكردفان لدمار شامل أو جزئي، كما فقد مئات الآلاف من سكان الخرطوم القدرة على العيش في منازلهم إما بسبب ما لحق بها من دمار كلي أو جزئي جعلها عرضة للخطر.

والحرب الدائرة بين طرفي النزاع تسببت أيضا دمار الحرب عشرات الآلاف من منازل سكان الخرطوم والمئات من المنشآت المدنية الحيوية والتاريخية بما في ذلك جسورا ومتاحف ومنشآت بنية تحتية ومباني وزارات وبنوكا وجامعات وغيرها.

إضافة إلى القصر الجمهوري الذي يبلغ عمره أكثر من 190 عاما، فقد تعرضت أجزاء كبيرة من مطار الخرطوم الدولي والقيادة العامة للجيش السوداني في وسط العاصمة الخرطوم لدمار هائل أيضا.

في حين كانت السرايات القديمة وجامعة الخرطوم والمتاحف ودار الوثائق القومية والبريد وغيرها، تشكل أبرز معالم الخرطوم وتعكس تاريخها الممتد لأكثر من 200 عام، فقد تعرضت أجزاء كبيرة منها للدمار أيضا بسبب الضربات الجوية والأرضية المتبادلة بين طرفي الصراع.

وأثرت الحرب بشكل كبير كذلك على القطاع الزراعي حيث تقع معظم المشاريع الكبرى والصغرى التي تشكل نحو 80 في المئة من إنتاج البلاد في مناطق إما تشهد قتالا مستمرا أو مرشحة لتصبح ساحة للقتال مما ادي إلى تراجع الإنتاج الزراعي في البلاد بشكل كبير وإذا لم يتم الوصول الى حل ينهي الحرب ستزيد الكارثة

واعتبر مراقبون أن الدمار الكبير الذي لحق بالخرطوم ومناطق أخرى في البلاد يزيد من الأعباء الاقتصادية والمالية المترتبة على الحرب.

وأدت الحرب أيضا ان 70 في المئة من المستشفيات الموجودة في البلاد خرجت عن الخدمة فيما تعمل البقية بأقل من نصف طاقتها وتواجه نقصا حادا في الإمدادات والمعينات والكوادر الطبية.

وانقطع 19 مليون طالب في المدارس والجامعات السودانية عن الدراسة بسبب الحرب التي ألحقت أضرارا كلية وجزئية بنحو 90 في المئة من 160 جامعة وكلية متخصصة في البلاد.

ويؤكد السودانيون أن الدولة فقدت 80% من مواردها وتعرض اكثر من 100 بنك للنهب تم سرقة أكثر من 38% من أموال مصارف الخرطوم، والبنك المركزى السودانى يعانى من نقص شديد فى السيولة بسبب العمليات التخريبية.

والآن بعد مرور عام على الحرب، لا يوجد اتفاق أو حوار لإنهاء الصراع الدائر في السودان، ويصر الطرفان على أن الحرب ستستمر حتى يصلا إلى هدفهما بإخراج أحدهما من الساحة .

 

Written by admin
×