تشهد القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة تحولات جيوسياسية كبيرة، حيث تسعى دول إقليمية وعالمية لتعزيز نفوذها في هذه المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية والمتنوعة ثقافيًا وسياسيًا. ومن بين هذه الدول، برزت تركيا كلاعب رئيسي يسعى لتوسيع وجوده العسكري والسياسي في إفريقيا. هذا التقرير يتناول التوسع العسكري التركي في القارة، مع تحليل للأهداف الكامنة وراء هذه الخطوات، والاستراتيجيات المتبعة، والتداعيات المحتملة على المستويين الإقليمي والدولي.
*التوسع العسكري التركي في إفريقيا: الوقائع والأرقام*
إنشاء القواعد العسكرية: القاعدة العسكرية في تشاد: تركيا ستفتتح قريبًا ثالث قاعدة عسكرية لها في إفريقيا، تحديدًا في مدينة أبشة بتشاد.هذه الخطوة تأتي بعد إنشاء قاعدتين عسكريتين أخريين في ليبيا والصومال.
القاعدة في الصومال: أنشأت تركيا قاعدة عسكرية في مقديشو عام 2017، وهي أكبر قاعدة عسكرية خارجية لها، وتضم آلاف الجنود الأتراك.
القاعدة في ليبيا: تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني في ليبيا من خلال وجود عسكري وتدريب القوات الليبية.
إتفاقيات الدفاع المشترك: وقعت تركيا اتفاقيات دفاع مشترك مع عدة دول إفريقية، بما في ذلك: إثيوبيا: تعزيز التعاون العسكري والأمني. غانا: تدريب القوات وتبادل الخبرات.
النيجر وكينيا ونيجيريا ورواندا: شراكات أمنية وتدريبية. التعاون العسكري مع دول وسط وغرب إفريقيا: تركيا تعزز علاقاتها مع دول مثل السنغال ومالي وبوركينا فاسو، من خلال تقديم المساعدات العسكرية والتدريب.
*الأهداف الكامنة وراء التوسع التركي*
تعزيز النفوذ الجيوسياسي: تسعى تركيا لتعزيز وجودها في إفريقيا كجزء من استراتيجيتها لتصبح قوة إقليمية وعالمية. القواعد العسكرية تمكن تركيا من حماية مصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
ملء الفراغ الفرنسي
بعد تراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا، خاصة في دول الساحل والصحراء، تسعى تركيا لملء هذا الفراغ من خلال تقديم شراكات عسكرية واقتصادية بديلة.
تركيا تقدم نفسها كشريك عادل ومتوازن، بعيدًا عن الإرث الاستعماري. تعزيز الأمن القومي التركي: وجود قواعد عسكرية في إفريقيا يسمح لتركيا بمراقبة التهديدات الأمنية الناشئة، مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
التعاون مع الدول الإفريقية يساعد في مكافحة الجماعات المسلحة التي قد تؤثر على أمن تركيا.
تعزيز العلاقات الاقتصادية
يرتبط التوسع العسكري بزيادة الاستثمارات التركية في إفريقيا، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة والتعدين. تركيا تسعى لتعزيز صادراتها إلى الأسواق الإفريقية المتنامية.
*الاستراتيجيات المتبعة*
الدبلوماسية الناعمة: تركيا تعتمد على الدبلوماسية الناعمة من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والتعليمية، مثل بناء المدارس والمستشفيات.
وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA) تلعب دورًا رئيسيًا في تنفيذ هذه المشاريع.
الشراكة العادلة :تركيا تقدم نفسها كشريك عادل، بعيدًا عن النهج الاستعماري، مما يجعلها مقبولة لدى الشعوب الإفريقية. التركيز على التعاون المتبادل والمنفعة المشتركة.
التعاون الأمني: تركيا تقدم تدريبًا عسكريًا متقدمًا للقوات الإفريقية، مما يعزز قدراتها في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. توريد الأسلحة والمعدات العسكرية بأسعار تنافسية.
التداعيات على المستوى الإقليمي:
تعزيز الاستقرار: قد يساهم الوجود العسكري التركي في تعزيز الاستقرار في بعض المناطق، مثل الصومال وليبيا.
التنافس الجيوسياسي
قد يؤدي التوسع التركي إلى زيادة التنافس مع دول أخرى مثل فرنسا وروسيا والصين. على المستوى الدولي: تغيير موازين القوى: تركيا قد تصبح لاعبًا رئيسيًا في الشؤون الإفريقية، مما يعيد تشكيل التحالفات الدولية. ردود الفعل الدولية: قد تثير هذه الخطوات ردود فعل من الدول الغربية، خاصة فرنسا، التي قد ترى في ذلك تهديدًا لمصالحها.
على المستوى المحلي: كسب الثقة: تركيا تكتسب ثقة الشعوب الإفريقية بسبب سياساتها التي تركز على العدالة والتنمية. التحديات الأمنية: قد تواجه تركيا تحديات أمنية بسبب وجودها في مناطق مضطربة.
الخلاصة والتحليل النهائي
تركيا تسير بخطى ثابتة نحو تعزيز وجودها العسكري والسياسي في إفريقيا، مستفيدة من تراجع النفوذ الفرنسي والفراغ الجيوسياسي في المنطقة.
هذه الخطوات تعكس رؤية استراتيجية واضحة تعتمد على الدبلوماسية الناعمة، والشراكات العادلة، والتعاون الأمني. ومع ذلك، فإن التوسع التركي قد يواجه تحديات، خاصة في ظل التنافس الجيوسياسي المتزايد في القارة.
في النهاية، يمكن القول إن تركيا تنجح في تحقيق أهدافها الاستراتيجية في إفريقيا، وذلك بفضل قيادة تتمتع برؤية واضحة وفهم عميق لمعنى الأمن القومي وامتداداته. ومع استمرار هذه الجهود، قد تصبح تركيا واحدة من أهم اللاعبين الدوليين في القارة الإفريقية في العقود القادمة.
توصيات
تعزيز الشفافية: على تركيا تعزيز الشفافية في أنشطتها العسكرية لتجنب أي اتهامات بوجود أجندات خفية.
تعزيز التعاون الإقليمي: يجب على تركيا العمل مع المنظمات الإفريقية، مثل الاتحاد الإفريقي، لضمان أن أنشطتها تتماشى مع مصالح القارة.
موازنة المصالح: على تركيا موازنة مصالحها العسكرية مع احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الإفريقية.
هذا التقرير يقدم نظرة شاملة عن التوسع العسكري التركي في إفريقيا، مع تحليل للأهداف والاستراتيجيات والتداعيات المحتملة.
محمد موسى جبوبي – باحث وكاتب عن الشؤون الإفريقية
المصدر- أخبار شرق أفريقيا في الرابط التالي:
التوسع العسكري التركي في إفريقيا.. الأهداف، الاستراتيجيات، والتداعيات