وسائط أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام الاجتماعي (Social Media) هو عبارة عن منصات تتيح التفاعل بين الأشخاص حيث يتبادلون او يشاركون المعلومات والأفكار في مجتمعات وشبكات افتراضية، وأحدث التطورات التي طرأت على الإنترنت والتي صاحبها ظهور العديد من تكنولوجيا وبشكل عام يشير العديد من المختصين في علم الإنترنت بأن الإعلام الاجتماعي يمثل قفزة كبيرة للتواصل من خلال الشبكة العنكبوتية بشكل تفاعلي أكبر من السابق بكثير عندما كان التواصل محدوداً بمشاركة كميات قليلة جدا من المعلومات وسيطرة أكبر من مديري البيانات ويساعد ايضا المشاركة على الإنترنت عبر مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الأشخاص على البقاء على اتصال بالأصدقاء أو التواصل مع أشخاص جدد.
ويوجد العديد من وسائل التواصل الاجتماعي حاليا والتي تضم فيسبوك (Facebook) وتويتر (Twitter) وإنستغرام (Instagram) وتيك توك (TikTok) وغيرها وجميعها تقدم خدمات متنوعة ومميزة ومنها كذلك ما يكون له جانب مهني مثل LinkedIn وقد تدخل من ضمنها المدونات مثل WordPress و Blogger.
يؤثر التقدم التكنولوجي بشكل كبير على جوانب كثيرة من حياتنا وكلما ازداد هذا التقدم كلما أثر في تغيير نمط حياتنا ومع الاعتماد المتزايد على الإنترنت أصبح استخدام منصات التواصل الاجتماعي جزءا أساسيا للتواصل اليومي واستقبال المعلومات لكثير من الأشخاص في العالم فهناك من يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للترفيه وتقضية الوقت وربما لإضاعة الوقت وآخرون أدركوا مدى قوة وسائل التواصل الاجتماعي فاستخدموها بشكل فعال.
ومن أخطر وسائل التواصل الحديثة في العالم كله هو برنامج التيك توك (TikTok) الذي أصبح شغل الشباب الشاغل وهو برنامج موبايل إنطلق من الصين منذ طهوره من عام 2016 وذاع صيته بسرعة كبيرة ومشكلته أنه يحبس الناس لساعات طويلة وذلك لأنه يحتضن فيديوهات قصيرة لا تتجاوز العشر دقائق ويتيح لأي شخص إمكانية رفع مشاركته بسهولة من الجوال فينتج عن ذلك منوعات من الأفلام القصيرة من كل أنحاء العالم تجذب إليها المشاهد ينتقل من مقطع إلى الآخر حتى تضيع الدقائق والساعات من بين يديه دون أن يشعر. ولذا أصبح العالم بأسره مفتون به.
وعلى مدار فترة زمنية قصيرة جدًا استطاع هذا التطبيق “TikTok” عبور جميع الحدود وتحقيق انتشار واسع في الصومال حيث اكتسحت مقاطعه المصوّرة لشباب وشابات يرقصن على أغاني مختلفة بلباس مثير وحركات ساخرة ولا أخلاقية، وفي الوقت الذي انتشرت فيه مقاطع صادمة لبعض الفتيات يرقصن ويتمايلن في الشارع وزوجات رفقة شريك حياتهنّ داخل غرف النوم والمرأة الصومالية التي لم يكن بإمكانها الذهاب للديسكوهات وكانت معروفة بأخلاقها وحشمتها وحفاظها على دينها وحجابها أصبح بإمكانها الرقص في المنزل وإظهار عوراتها وهذا أمر لم يعتاد عليه الشعب الصومالي.
،
وأساء الكثير استخدام هذا التطبيق وفتح الباب على مصراعيه للعديد من الظواهر الشاذة للظهور للعلن فالرجل الذي كان يخجل من التعرف على النساء وإقامة علاقات غير شرعية أصبح بإمكانه ذلك وبسهولة، والجاهل الغبي الذي كان يخاف لوم واستنكار المجتمع أصبح بإمكانه الاعتراف بجهله بكل حرية، والفتاة التي كان يمنعها آباؤها من الحديث مع الشباب أصبح بإمكانها فعل ذلك واكثر، فأصبح الإنفلات من اي قيود أخلاقية سمة للنجاح.
وساهم ايضا كسر حرمة البيوت بشكل لا يُصدق لدرجة أن الفتيات ينشرن رقصهن وميوعتهن داخل بيوتهن بملابس غير محتشمة وبغناء أغلبه من أغاني الملاهي الليلية والاغاني “Rap” التافهة وحتي في حضرة أبائهن أو أمهاتهن أحيانا ويقدمن هذا تحت ضغط “متابعة المعجبين” ولا يريدن أن يخسرن أو يخيبن معجبيهن, ولزيادة نسب المشاهدة واحيانا قد يصل محاولات جذب الانتباه المتتبعين الي المشاهد الفاضحة والتي تؤدي الي قضايا مخلة بالشرف أو الدعوة إلى الفسق والتعري. وفي حين يدخل المستخدم ليشاهد عن موضوع معين في “TikTok” يجد نوع المحتوى تغير فجأة في المقطع الذي يليه إلى شيء لا علاقة له وغالباً يخلط المقاطع السيئة والجيدة للمشاهد ويبدو أن الشركة تفعل ذلك عن عمد.
كما يلعب ايضا دورًا رئيسيًا في النزاعات القبلية الحاصلة في بعض الاماكن وتقسيم الأمة فكل شخص يرفع شعارات قبلية ويشتم القبائل الصومالية ويري نفسه وقبيلته احسن من الاخر على نطاق واسع وأمام شرائح كبيرة من المجتمع والكارثة أنهم يعتبرون هذا الأسلوب تقرباً للحضارة ومن علامات الانفتاح والفكر المتقدم، وطالب الكثير من الصوماليين بحجب هذا التطبيق حماية للأطفال والشباب كما دافع عنه آخرون.
بالاضافة الي ذلك ان كثيرا من الشباب يتبعون أي شيء في الإنترنت بغض النظر عن صلاحيتها أو حرمتها وما أن يدخل المرء ليستكشف التيك توك حتى ينصدم بسوء المحتوى وتدني المستوى الأخلاقي فيه ويجده جمَعَ كل منكرات الأرض في مقاطعه وكأنه مزبلة الإنترنت مصدراً مستمراً لتهديد الأخلاق ومكمناً شريراً للإطاحة بالعادات والهدف هو التخلّي عن أخلاق المجتمع الصومالي وعاداته وتقاليده ودينه تحت بند الحضارة والحرية الشخصية.
والجدير بالذكر أن تطبيق “التيك توك” وغيره يساهم فى نشأة أجيال تعتقد أن الرقص والحركات المثيرة والتعرى هى السبيل لتحقيق الثراء والشهرة. ومن المؤسف اليوم نري ان هؤلاء الرويبضة التافهين “السوشيال ميديا” الذين يتكلّمون في الأمور العامة اصبحو اصحاب ذو مكانة عالية في المجتمع الصومالي وخاصة جيل الشباب وهذا يوضح ان هذه الأمة اصبحت مريضة الفكر وتحب ما يريده لها عدوها أن تحبه وتكره ما يريد منها أن تكرهه.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال في حديث صحيح مروي عن أبي هريرة: “سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ, يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخَوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ.
قِيلَ: وما الرُّويْبِضةُ؟
قال: الرجُلُ التّافِهُ الذي يتَكلَّمُ في أمورِ العامةِ”.
ويعتقد الكثير ان هذه الامور ماهي الا الغزو الالكتروني او الغزو الفكري الدي يواجهه العالم الاسلام عامة وهو أخطر وأكثر فتكا وأقوى أثرا من جميع الغزوات التي عرفتها البشرية من قبل وهدفه هو تدمير الامة وتعرض العقول الناشئة من الفساد والبلاوي وتنحية الأفكار السليمة الصالحة لتحل محلها أفكار أخرى غريبة شرقية أو غربية.
ويقع هذا الغزو الذي يهدم ويبني دول بلا سفك الدماء بواسطة الوسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة وغير ذلك من الشئون التي تتصل بالأمم في زمن اصبحت أبواب الحرام باتت مشرعة بينما أبواب الحلال موصدة أمام الشباب والفتيات وإذا استمرت على ماهي عليه دون قيود ستسبب كارثة ونسأل الله السلامة والعافية.
وأن غياب الضوابط القانونية يوسع من دائرة هذه الازمة فلو أن المنحرف من أخلاقه وضميره وكل ما له علاقة من فساد المجتمع يلقى عقاباً صارماً لما تجرأ شخص على نشر الفحش والمنكر .
وايضا في ظل غياب دور العلماء في مواجهة فساد هذا التطبيق وأسلافه من “إنستغرام” و”فيسبوك” و”يوتيوب” وغيرها علي حياة المجتمع الصومالي ومستقبل الشباب وحياة الاجتماعية والعائلية اصبحت القيم الصومالية النبيلة محل سخرية و استهزاء وتقليد الأجانب وثقافتهم شيء حضاري.
ولذلك يجب ان نضع في اعتبارنا ان وسائل التواصل ليست بالضرورة مصدرا موثوقا وصحيحا للمعلومات حيث يمكن ان تنتشر الشائعات والاخبار الكاذبة بسرعة عبر هذه الوسائل, مما يؤثر علي الثقة ويسهم في انحراف السلوكيات الاخلاقية. ولذلك ينبغي علينا التركيز علي تعزيز القيم الاخلاقية في التربية والتوجيه الاسري والتعليم بغض النظر علي تطور وسائل التواصل وكما يجب ان نعلم الافراد كيفية استخدام تلك المواقع بشكل اخلاقي.
وختاما كما نعلم جميعا ان أول أسباب انهيار الأمم كثرة الفساد في الأرض وكثرة الخبث وان أزمة المجتمع الصومالي وخاصة جيل الشباب هي أزمة العلم والمعرفة وقلة القراءة وعلينا ان نفهم ان قوة البلد تعادل مجموع ملكات أفراده العلمية.
عبدالشكور قوريري سهل
باحث ومحلل سياسي