نوفمبر 6, 2024

الشيخ عبدالرحمن بشير: عفوا ، مرة ثانية ، أنا لن أكون كما يريد البعض !

أولا : عفوا ، أنا إنسان لدي عقل , وهبني الله إياه لأختار به ما أريد ، ولست حيوانا بلا عقل يعيش فى حظيرة ، أو خلق للاستخدام المؤقت ، لدي إرادة ومشيئة ، وأختار الطريق الذى أريد أن أسلكه بدون استشارة أحد ، فالمصير ليس بيد غيرى ، فهو بيدى فقط بعد مشيئة الله الخالق ، والله قدر هذا وأمر ( وهديناه النجدين ) ، ولهذا سأبقى إنسانا ، وانسانيتي ليست محلا للبيع ، ولا للإيجار .

ثانيا : عفوا ، أنا مسلم ، لدي منهج واضح فى التعامل مع الناس ، ولست تابعا للهوى فى الخيارات ، لست عدوا لأحد إلا من ظلمني ، أو ظلم أهلى وبلدى ، أو اعتدى على مقومات دينى وإنسانيتى ، فحينها أتحول إلى أسد ، ولكن قبل ذلك أحاول أن أعفو وأصفح ( وأن تعفو أقرب للتقوى ) ، ومن خالفنى فى الجنس ، أو الفكر ، أو القومية ، فليس عدوا بهذه الأسباب ، بل هو إما أخ لى فى الدين ، أو نظير لى فى الإنسانية .

ثالثا : عفوا ، لن أكون يوما ما نسخة لغيري ، كما لا أحب أن يكون غيرى نسخة منى ، فالحياة أوسع مما نظن ، والخيارات ليست ضيقة كما يشاع ، ولكن أصحاب العقول الكليلة يحسبون أن الخيارات أمام الفرد ضيقا ، وهذا من صناعة الاستبداد فى بلادنا ، ولهذا كثر الأتباع والمقلدون ، وقلّ المبدعون .

رابعا : عفوا ، لا أكون مشروعا للاستخدام السياسي ، أو الديني ، أو القومي ، أو العرقي ، أو الظرفي ، أنا أمثل ذاتى فقط ، ومن يختفى وراء القبيلة أو الفكر الطائفي ليس لديه مشروع فكري أو سياسي ، ومن يختفى وراء الوطنية المزعومة يعيش فى وهم العنصرية ، ومن ييستولى على بلاد الناس بسبب ادعاءات تاريخية وهمية فهو يحفر قبره بيده ، فالبشرية أسرة واحدة ، ولكنها بألوان وأفكار وأديان مختلفة ، وتلك سنة الله فى خلقه.

خامسا : عفوا ، لا أحمل فى قلبى حقدا ، ولا أعيش فى حياتى شخصيتين متناقضتين ، أحب الناس جميعا ولكن من عادانى ، وعادى دينى ووطنى ، لهم تعامل خاص ، وأحب للناس جميعا الخير ، لأنهم منى ، وأنا منهم ، وأحب المسلمين ، وأحب لهم الكرامة والعزة والمجد ، لأنهم من خلايا الجسد ، ومن مكوناته ، وأحب أبناء وطنى ، لأنهم منى ، وأنا منهم ، وأحب لهم النهضة والتقدم ، ومن فرّق بينهم بسبب اختلافاتهم العرقية والفكرية فهو لا يريد لهم الخير .

سادسا : عفوا ، لست كما يفكر البعض مشروعا دينيا عابرا للقارات ، فقد تجاوز الزمن هذه الفكرة ، وتركتها وراء ظهرى ، ولست مشروعا قوميا يقهر الآخرين ، فقد تجاوزت البشرية زمن الإكراهات القومية ، نحن نبحث عن دولة تسع الجميع ، وعن جميع يتقنون فن التعايش معا ، وليس فن القتل الممنهج ، والاقصاء المتبادل .

سابعا : عفوا ، بلادنا جميلة ، وأجمل ما فيها البراءة ، فلا تقتلوا البراءة بحسن الظن ، وعفوا ، بلادنا فيها خيرات وفيرة ، فلا تنسوا العيش فيها بأمان ، وعفوا ، بلادنا تتعرض للاستعمار من جديد ، فلا تكونوا عونا لهذا ، وعفوا ، بلادنا تعيش ما قبل التاريخ ، فلا تعيدوها إلى زمن ما قبل قبل التاريخ .

ثامنا : عفوا ، نبحث عن دولة ، وليس عن قبيلة ، لأنه لا إبداع فى ذلك ، فالقبيلة موجودة كما أراد لها الله أن تكون ، ولكن الدولة هي العبقرية التى يجب أن نبدعها من جديد ، فالدولة الحديثة مشروع القرن الأفريقي ، وعفوا ، لا تفكروا القبيلة قبل الدولة ، لأنهما موجودة بإرادة الله ، ولكن فكرو فى إيجاد حالة ظرفية تؤدي إلى الدولة التى نعيش فيها كقبائل وأحزاب وجماعات وتكتلات ، بل وأفراد وعوائل ، إنها محنة الزمن ، وفتنة العصر ، ومن نجح فيها فاز فى الدنيا قبل الآخرة ، ومن فشل في هذا سيبقى فى هامش التاريخ .

تاسعا : عفوا ، تعالوا نتدرب فى فقه العيش المشترك ، وليس فى فن الإقصاء ، لأن العيش معا تحضر وتقدم ، والإقصاء تقهقر وتقاتل ، والتفاهم فى هذا الزمن الصعب ليس سهلا ، ولكنه مطلوب ، ويمكن أن أعيش مع أفراد قبيلتى فقط ، ولكن لن يكون لنا تقدم ولا نهضة ، ولكن لو فهمنا العيش المشترك بمعايير موضوعية ، حينها نخرج من التيه المحكوم علينا من قبل أعداءنا ، ومن أنفسنا .

عاشرا : عفوا نتدرب في فقه الخلاف لأجل أن ندير الخلاف بين الناس ، فلا نعيش لأجل أن نبحث عن منطقة الأمان ، فالخلاف واقع قدرا وشرعا ، فهو حقيقة من حقائق الحياة ، والعباقرة يفهمون كيف يتعاملون مع الخلاف بعقل مفتوح ، بينما الصغار يبحثون في الحياة عن طيور تشبهها ، لأن الطيور على أشكالها تقع .

لا تكن طيرا ، لأنك لست بسيطا ، ولا تكن إنسانا يخاف من الآخر ، لأنه إذا كان مختلفا عنك فهو لا يعني عدوا ، بل يعنى أنه يرى الحياة من زاوية أخرى ، فقد يعنى لك وللحياة الكثير ، بل سنحتاج إلى فهم اعمق لأجل تجاوز مرحلة ( الأنا ) المتضخمة ، والبحث معا منطقة ( نحن ) المتكاملة ، فالبحث عن الممكن أفضل من البحث فى المثال غير الممكن ، والعبقرية لا تعنى القتال لأجل صناعة عالم غير ممكن ، ولكنها تعنى أن تعيش مع الناس فى تفاهمات مشتركة دون أن تتنازل عن المبادئ وحقوق الأوطان .

المصدر/ صفحة الشيخ عبدالرحمن بشير

Written by admin
×