مارس 19, 2025

الشيخ عبدالرحمن بشير: متطلبات النجاح فى الحياة

لدينا من لا يملك معيارا للنجاح ، ولكنه يعمل باستمرار ، ويجتهد فى العمل ، بل وينطلق نحو الآفاق ليجدّ ويكدح ، ولكنه لا يتحرك من أرضية ثابتة ، ولا يملك استراتيجية واضحة للعمل ، ولهذا فهو يكرر أخطاء الماضي ، بل ويتشبّث فى تكرارها ، والسبب هو أنه لا يقرأ التاريخ ، ولا يقرأ الواقع كما هو ، بل يقرأ الحياة كما يريد .

فى بعض الأحيان ، أجد من الدعاة من لا يقرأ كتابا صغيرا ومتواضعا ، فضلا عن كتاب محكم ، وفيهم من لا يبحث عن الكتب ذات النوعية فى الخطاب والمحتوى ، ومع هذا فهو يناقش قضايا كبرى ومعقدة ، وعندنا من لا يعرف معنى الفن ، وماذا فيه من أفكار ؟ ولماذا كل الشعوب تملك الفن ؟ ولماذا تختزل بعض الشعوب الفن فى مجال ضيق كالغناء ؟ ولماذا الغناء كله فسق وفجور ومعصية ؟ ومع هذا يفتى فى هذا المجال الخطير والحيوي بكل بساطة .

لقد أصبح الكسل الفكري عنوانا للحياة عندنا ، هناك من يشكو من قراءة مقال عادي ، فيقول ، فيه طول ، ومنهم من يقول ، فيه تعقيدات ، فكيف هؤلاء يقرؤون مثلا كتاب ( تهافت الفلاسفة ) لحجة الإسلام الغزالي رحمه الله ؟ وكيف يتناولون كتاب ( نقض المنطق ) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ؟ وكيف يفهمون كتاب ( تهافت التهافت ) لحكيم الإسلام ابن رشد رحمه الله ؟ وكيف يستوعبون كتب على عزت بيچوفيتش ؟ وكيف يفهمون كتاب الزكاة ليوسف القرضاوي ؟

إن الكسل الفكري دليل عجز ، والعجز دليل غياب الهمة ، وغياب الهمة دليل نقص فى الطموح ، والنقص فى الطموح دليل ضعف فى الفكر ، والضعف فى الفكر دليل غياب القراءة المنهجية ، والعجيب أننا لا نشكو من غياب القراءة المنهجية ، بل نشكو من القراءة ذاتها ، وهذا النوع من الحياة تدل على التخلف الفكري والسياسي ، والعودة إلى المجد مرة أخرى تتطلب منا إلى فهم النجاح ومعاييره .

إليكم بعض النصائح ، والأفكار التى توصلت إليها بعد البحث والدراسة فى هذا المجال :

أولا : قدّر الحياة كما هي ، لأن الله خلقنا لنكون سادة فى الحياة ، ولم يخلقنا الله تبارك وتعالى لأجل أن نأتي ثم نمضي منها ، لسنا فى مسرحية كونية كما يقول بعض العدميين ، بل نحن فى كون جاد ، وفى حياة جادة ، ولهذا يجب علينا أن نختار الطريق الصحيح فى التعامل مع مفردات الحياة ، هناك لعب ولهو ، وإلى جانب ذلك جدّ وكفاح ، ولك أن تختار اللهم. واللعب ، أو الجدَ والكفاح ، ومن هنا وجدنا كتاب الله متحدثا عن قوم اختاروا اللعب واللهو ( والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام ، والنار مثوى لهم ) ، وهناك من اختار طريق الكفاح والجد ، فقال تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، وإن الله لمع المحسنين ) .

ثانيا : احترم الكبار ، وقدَر المواقف ، ولا تقدس أحدا ، فهذه خطوة حقيقية فى التعامل مع مفردات الحياة لتكون ناجحا ، هناك من يبخس فى حقوق الناس ، ويرفض تراثهم بدون أدنى بحث ، وهناك من يقدس تراث الأمم والشعوب ، وينسي ذاته الحضارية ، فهذا النوع من التفكير سطحي ، وتبسيطي ، وغير علمي ، فالمسلم يقدّر الآخر ، ويحترم الناس ، لأنه منصف وعادل ( وإذا قلتم فاعدلوا ) .

ثالثا : المسلم يؤمن بأن الحياة دوّارة ، وليست واقفة ، وأنها جارية ، وليست ساكنة ، ومن هنا يجب على الإنسان المسلم أن يفتح عينيه ليقرأ ، وعقله ليفكر ، وقلبه ليتدبَر ، فالحياة مدرسة كبيرة ، من شأنها تصنع التداول الحضاري ، فالكبير يكون كبيرا حين يفهم سر الحياة ، والصغير يبقى صغيرا حين لا يفهم الحياة ، فلا تتعامل مع الحياة وكأنها صخرة لا تتغير ، أو كأن لها طبيعة واحدة ، ولكن عش مع الحياة بعقل مفتوح ، وفكر مستنير .

رابعا : اقرأ كثيرا ، واقرأ للجميع ، ولا تكن فى قفص أحد ، ولا تحتكر الصواب ، ولا تكن مع الذين يقولون : نحن الحق ، أو نحن نملك ورقة الغفران ، افعل شيئا واحدا ، كن صادقا مع الله ، وحاول أن تتحرّى الصواب من كلام الناس ، ولا تتوقف عند حد معين ، ولا تدّعى الكمال لنفسك ، ولا لجماعتك ، بل ولا حتى لوطنك ، فالكمال لله وحده ، والعصمة للرسل ، تحرك نحو الناس بدون توقف لتبادل الخبرات ، فالأخذ أهم من العطاء ، واذهب إلى بطون الكتب ، فيها حكم زاخرة ، وعلم وفير ، وعقول راشدة ، فلا تعش ساعة واحدة بدون أخذ ، وأحذر من العطاء المستمر .

خامسا : طوّر ذاتك بشكل مستمر ، وهذا لا يمكن لك ، ولا لمنظمتك بدون وضع لخطة واضحة المعالم ، وبدون وضع لأهداف واضحة ، فالذين يتحركون بدون خطة كجيش يتحرك فى العراء بدون حماية جوية ، والذين يتحركون فى العمل الدعوي والسياسي بدون أهداف استراتيجية كالأطفال الذين يلعبون ، وينتظرون من الحظ نجاحا ، ومن هنا فلا بد من وضع أهداف كبرى ومهمة لذاتك ، وخطة واضحة المعالم لنفسك ومنظمتك .

سادسا : لا تستسلم لصعوبات الحاضر ، ولا تعش مع آلام الماضى بشكل دائم ، فاخرج من هذا القفص بكل قوة ، وانظر إلى المستقبل ، ولكن خطط لصناعة المستقبل ، وهذا واجب العصر ، لأن لكل عصر واجبه ، ومن لم يفعل ذلك فقد حكم على نفسه بالجمود ، والنظر إلى المستقبل بقلب مفتوح هو الطريق الأهم فى صناعة النجاح .

سابعا : جدّد فهمك ، واخرج من عباءة الخوف من التجديد ، وهناك من يخاف من التجديد لأجل الثوابت ، ولدينا من يدخل فى التطوير لأجل هدم الثوابت ، والصواب أنه لا بد من الجمع ما بين الثوابت والتجديد ، ومن لا ثوابت له فلا يملك مقومات البقاء ، ومن لا يحدد ذاته وأفكاره فهو من الماضي ، ولهذا يجب على الذين يريدون النجاح تجديد الأفكار قبل كل شيئ ، وتجديد الوسائل بعد ذلك ، وهذا يتطلب منا اجتهادا مستمرا ، وجهدا فكريا لا يتوقف .

ثامنا : العمل بروح إيجابية ، والتحرك نحو الميدان بتفاؤل شديد ، لأن الإنسان الناجح ينطلق من الذات المشبعة بالأفكار الإيجابية مهما كانت الصعوبات بالغة ، ، والإنسان الناجح كما يقول ستيفن كوفي صاحب كتاب ( العادات السبع للناس الأكثر فاعلية ) له دائرتان فى العمل ، الدئرة الأولى تسمى دائرة ( التأثير ) ، والثانية توصف بأنها دائرة ( الاهتمام ) ، فالناجح يتحرك فى الدائرة الأولى ، لأنها تقع فى منطقة الوسع ، فيعمل فيها متحركا ، ومن ذلك صحته ، ورزقه ، وأولاده ، وبلاده ، والمنطقة التى يعيش فيها ، أما الدائرة الثانية ، فهو يحاول فهمها وتحليلها ، بل وقد يمنح بعض التوجيهات فيها ، ولكن من الخسارة الخلط بينهما ، بل هذا هو عين الفشل .

تاسعا : الناجح يحاسب نفسه باستمرار، والمحاسبة مصطلح إسلامي ، ولكنه ينطلق من النقد الذاتي ، والمراجعة الدائمة ، وهو أيضا من اللوم الحضاري ، ومن خلال هذا البرنامج يعرف الإنسان قدراته الفكرية والعملية ، ويتوصل إلى معرفة الايجابيات والسلبيات ، ويساعد بعد ذلك للانطلاقة فيما بعد .

عاشرا : لا ينجح من لا يعرف أين هو الآن ؟ وإلى أين يريد أن يصل ؟ وهذا النوع من العلم يقال : فقه الاستراتيجيات ، أو قل إن شئت فقه السنن الإلهية ، ومن لا يفقه تلك السنن فهو بلا مشروع ، ومن حاول تجاوزها ، فهو يخطط للفشل بلا شك .
إن معرفة واقعك بعلم يمنحك قوة الفهم ، وإن معرفة هدفك يمنحك قوة العمل ، فلا نجاح بدونهما ، فالإنسان بحاجة إلى فهم قوي ، وإلى عمل مستمر ، ومن هنا طالب موسى الكليم عليه السلام ربه أن يمنحه لسانا ينطلق ليفهمه الناس ( ليفقهوا قولي ) ، وكان ابن عباس رضي الله عنه يملك لسانا سؤولا ، وقلبا عقولا .

إن هذه المواصفات العشرة تعتبر تمهيدا للعمل الناجح ، وإنها من السنن الكونية التى عرفت فى تاريخ الناجحين ، ولأجل أن تكون ناجحا فتشبث بها ، واعمل فى زراعتها فى الذات كإنسان ، وفى المنظمة كذات حضارية ، فلا تكن إنسانا جاء ومضى ، وما هذا قد خُلقت .

المصدر/ صفحة الفيسبوك للشيخ عبدالرحمن بشير

Written by admin
×