الأحداث الجسام تتوالى والعيش في مقديشو تحتاج إلى صبر ومصابرة،حتى يعجز الصبر عن الصبر، ويضطرّ المرء الى شيئ أمرّ من الصبر، والفواجع تظهر صباح مساء بصورة فردية أو جماعية، ونرى أو نسمع ما لا يخطر ببال أحد،ولكن الشعب الصومالي أبيّ لا يهاب، وباسل لا ييأس، وكأنّ المتنبي قال فيهم:
وقفت وما في الموت شكّ لواقف … كأنّك في جفن الردى وهو نائم
لاهيئات تسّجل الحوادث،ولاجرائد تدوّن الوقائع التي تتكرّر يوما بعد يوم ،دمّ الشعب الصومالي يسيل كلّ يوم، مرة بالتفجيرات والاغتيالات، وتارة برصاص الجنود وقد كان من المفروض أن تحميه،وأخرى باللصوص والنشالين والنصابين ، فكم من قتيل بالسكين دفناه، أوبالرصاص شيّعناه، أوبالتفجيرات نعاه الناعون على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يدري القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل،ولكن الشاعر الأوّل قال:
ليس من مات فاستراح بميت … إنّما الميت ميّت الأحياء
وشاعرنا الحكيم لم يخطر على باله أنّ الصوماليّ الميت لا يستريح في قبره، بل النزوح والظلم يطال عليه كالأحياء، لقدكانت حركة الشباب قبل عقد من الزمن ،بدأت برنامج نبش القبور لاسيما قبور العلماء والمشايخ حتى لايزار، فهبّ الناس في الدفاع عن أمواتهم ومشايخهم ،وهناك قصص وفواجع سجلت في تلك الفترة، يندى لها الجبين، وقد أفل نجم الجماعة بعد ذلك ،
ألا رُبَّ يومٍ بكيتُ منهُ فلما**صرتُ في غيره بكيتُ عليه
فاليوم وفي لسان هيئة علماء الصومال تنبش قبور الأموات في أكاديمية الشرطة، ولم تتجرء الحكومة الصومالية القرار في أوّل الأمر بمفردها، بل نفت الشائعات على لسان الناطق الرسمي للشرطة، وبعد أسابيع فوجئنا بعلماء ووزراء وعساكر يعقدون مؤتمرا صحفيا على الأجداث ،وكأنهم يفتحون مصنعا أومشروعا تمّ إنجازه أيام حكومة الدكتور الرئيس حسن الشيخ،
ومن صحب الدنيا طويلاً تقلّبت على** عينه حتى يرى صدقها كذبا
إنّ الحكم الشرعيّ لنبش القبور معروف لدى الفقهاء وهو التحريم،أمّا الاستثناءات والضرورات فتقدّر بقدرها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فكم من المفاسد والأضرار الاجتماعية حصلت على الشعب المسكين بعد إصدار تلك الفتوى والقرار، قد يحاول البعض الدفاع عنها مع ما نشاهد في الواقع من مآسي والأحزان وفي أشهر الحرم والليالي العشر التي يحرم فيها الظلم والجور، تتوالى الندءات والبيانات من أعيان المجتمع الصومالي لتجميد القرار إن وجدت آذانا صاغية ،وإلا فبكاء الثكالى ودعاؤهم تكون وبالا على من أفزعهم وألجأهم إلى المشهد الحزين ،و حسب علمي أكثر الأموات في الأكاديمية دفنوا بطلب من أعضاء الحكومات المتعاقبة حيث لم يكونوا يقدرون تشييع جنازة الأقرباء والأصدقاء لظروف أمنية، ومن هنا يتسائل البعض أن العذر أقبح من الجريمة فالصومال ليست فيها مشكلة انعدام الأراضي حتى تنتهك حرمة الأموات، ويضطر الشعب بنقل رفات أهلهم إ لى أمأكن أخرى، وبمبالغ جنونية، بعضها خارج العاصمة، فللجيش الصومالي مواقع طول البلاد وعرضها، وللبحرية مناطقها المعروفة،
وختاما: أضم صوتي إلى القائلين بتجميد القرار، وترك القبور لأصحاب القبور، بعضهم رقدوا فيها أكثر من أربعة عقود، وهل نحن إلا حيّ ميّت من أصحاب القبور، اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين أجمعين ، وارحمنا اذا صرنا إلى ماصاروا إليه، واحفظنا على ظاهر الإرض وفي باطنها ويوم العرض إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
منير عبد الله الحاج عبده
مقديشو- الصومال.
المصدر/ من صفحة المهندس الشيخ مير عبدالله في الفيسبوك