وضع الرئيس حسن شيخ محمود، الذي وصل إلى منصبه في مايو 2022 مرة أخرى بعد ولايته الأولى خلال الفترة من 2012 إلى 2017، هزيمة حركة الشباب الإرهابية محور تعهده الأساسي في حملته الانتخابية. كانت إدارة سلفه، محمد فرماجو، تعاني مظاهر الضعف والوهن، حيث تم استهلاك جهود الدولة هدراً في الصراعات الداخلية المستمرة، مما أدى إلى التخلي عن المعركة الحقيقية ضد الشباب. لقد تمكنت الحكومة الصومالية بالفعل من طرد التنظيم الإرهابي من عشرات المدن والقرى، خاصة في ولايات غالمودوغ وهيرشابيل والجنوب الغربي.
وبينما حاولت الدولة التوصل إلى اتفاق حول كيفية التعامل مع الإرهاب العنيف، ظهرت ثورة محلية ضد حركة الشباب في حيران بولاية هيرشابيل بسبب الممارسات والأحكام القاسية التي تطبقها الجماعة على نحو متزايد. كما أدى الجفاف إلى إضعاف قدرة المجتمع على الصمود. ومع ذلك تواجه هذه الحملة التي تقودها الصومال ضد الشباب للقضاء عليها هذه المرة بالضربة القاضية تحديات عديدة نحاول إلقاء الضوء عليها في هذا المقال.
استراتيجية ثلاثية المحاور
في مارس 2023، استمر الهجوم العسكري ضد حركة الشباب في الصومال لمدة تسعة أشهر. وعلى الرغم من هذه الحملة طويلة الأمد، لا تزال الحكومة الصومالية متفائلة بفرصها في هزيمة الجماعة الإرهابية. ويلاحظ أن الحكومة تنتهج استراتيجية ثلاثية المحاور تشمل المقاربات العسكرية والمالية والأيديولوجية للتصدي لحركة الشباب.
المحور العسكري: حققت الاستراتيجية العسكرية بعض النجاح، حيث زعمت الحكومة أنها قتلت أكثر من 2000 مسلح إرهابي وحررت العديد من القرى والبلدات في المناطق الوسطى. ويمكن أن تُنسب مكاسب الحكومة الإقليمية وانتصاراتها ضد قوى الإرهاب إلى التحالف العريض بقيادة مقديشو. ويتألف هذا التحالف من الجيش الصومالي، وقوات النخبة التي دربتها تركيا، ونحو 22 ألف من قوات بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس)، إلى جانب العديد من الميليشيات العشائرية.
وقد تلقت كل هذه المجموعات دعماً من طائرات بيرقدار التركية وطائرات بدون طيار عسكرية أمريكية. كما تلقت الميليشيات المحلية دعماً عسكرياً من الحكومة، والتي بدورها توفر المعلومات لقوات الدولة. ويشير هذا التحالف العريض إلى أن العديد من القوى المعارضة للتنظيم الإرهابي قد نسقت أهدافها وجهودها، وهو أمر بالغ الأهمية لنجاح الحكومة.
المحور المالي: قامت الحكومة الصومالية بتجميد حسابات تحويل الأموال المصرفية والهواتف المحمولة في محاولة لتجفيف منابع تمويل حركة الشباب. كما تم تجريم أي عمل مع حركة الشباب وتجميد حسابات عشرات الأفراد والمنظمات التي يعتقد أن لها صلات بالجماعة. وقد استضافت مقديشو أواخر العام الماضي مؤتمراً لتأسيس آلية تشدد الرقابة المالية وتوقف وصول المنظمة إلى قنوات التمويل. وبحسب تقديرات الحكومة الصومالية ، فقد التنظيم ما يقرب من 30% من إيراداته خلال آخر شهرين من العام الماضي بسبب العمليات العسكرية والإجراءات المالية الحكومية المضادة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الجهود، تمكنت حركة الشباب من التهرب من الأنظمة المالية والاستمرار في تمويل عملياتها. فقد كشف تقرير للأمم المتحدة في عام 2022 أن المجموعة كانت تقوم بتحويل الأموال بما لا يتجاوز مبلغ 9500 دولار لتجنب تجاوز عتبة 10000 دولار المسموح بها وفقاً لقواعد المراقبة المالية.
المحور الأيديولوجي: يتمثل العنصر الثالث للحملة الصومالية ضد حركة الشباب في الحرب الأيديولوجية والدعاية. وقد أنشأت وزارة الإعلام قناة تلفزيونية مخصصة لتغطية العمليات المشتركة والتصدي لتقارير حركة الشباب. بالإضافة إلى ذلك، قامت الحكومة بالحوار مع الزعماء الدينيين في محاولة لتحدي تفسير حركة الشباب للإسلام ومن ثم دحض سرديات الجهادية العنيفة، حيث تجمع أكثر من 300 من علماء الدين في مقديشو في أواخر يناير تحت رعاية الحكومة الفيدرالية.
وقد تعهد الجميع بدعم الحكومة وشن معركة أيديولوجية ضد الجماعة. ومن الجدير بالملاحظة في هذا السياق هو خطة الشئون الدينية للحكومة الاتحادية، التي يتولاها الزعيم السابق في حركة الشباب، مختار روبو، والذي عينته الحكومة وزيراً للشئون الدينية. وينشغل روبو في إجراء محادثات مع علماء وسلطات دينية حول كيفية مواجهة أيديولوجية الشباب المتطرفة. ولعل ذلك يمثل خطوة رئيسية في تبني النهج الناعم (الوسائل غير العسكرية) ضد حركة الشباب.
تحديات الاستراتيجية الجديدة
مع ذلك، فإن الشباب أبعد ما يكون عن مرحلة الهزيمة الساحقة. لا تزال الجماعة الارهابية تقاوم ولو بأسلوب حرب العصابات. وقد تصاعدت الهجمات على أفراد الأمن والمنشآت العسكرية والمباني الحكومية. وانفجرت سيارتان مفخختان في أكتوبر 2022 في مبنى وزارة التربية والتعليم، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 121 شخصاً وإصابة أكثر من 300 آخرين.
ويلاحظ أنه خلال معركة 2011 ضد حركة الشباب من قبل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، تم إضعاف الجماعة لكنها لم تمت، بل استطاعت أن تعاود الظهور والتوسع في السنوات التالية. وخلال الإدارات الصومالية السابقة، أصبحت المجموعة أقوى، مع إمكانيات السيطرة على مزيد من الأراضي واختراق جهاز أمن الدولة. فماهي التحديات التي تواجه الاستراتيجية الجديدة؟
1- عدم وجود قوات كافية للدفاع عن المناطق المستعادة: من الواضح أن بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) لا تزال في الغالب منشغلة بالترتيب لعملية الخروج من الصومال، حيث من المقرر أن تنتهي ولايتها بحلول عام 2024. ولعل ذلك يشكل تحدياً للجيش الوطني الصومالي من أجل السيطرة على الأراضي التي تمت استعادتها من حركة الشباب. وسيكون هناك تخفيض تدريجي في القوات الدولية. ومع ذلك، فإن دعم البعثة الدولية للحملة الحكومية ضد الشباب أمر يكتنفه الغموض لأن اهتمام البعثة الدولية ينقسم بين تنفيذ استراتيجية الخروج ودعم عملية نقل مسئولية قطاع الأمن للصوماليين أنفسهم. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن العديد من العشائر لم تقم بالثورة ضد حركة الشباب بسبب الخوف ونقص الموارد والتنافس بين العشائر.
2- فساد الحكم: إن جوهر عدم الاستقرار في الصومال هو الحكم السيئ، والذي غالباً ما يرقى إلى قاعدة إقصائية وغير خاضعة للمساءلة. وهذا يضمن استمرار الخلل الوظيفي، واستمرار الصومال في النضال مع قضايا مثل الفساد وغياب المساءلة وضعف المؤسسات. ستشتد الخلافات السياسية والتوترات المرتبطة بها مع اقتراب الانتخابات في الولايات الفيدرالية، مما يؤدي إلى تحويل تركيز الحكومة والحلفاء الدوليين عن تحقيق الاستقرار والهدف الأكبر المتمثل في محاربة حركة الشباب. وفي هذا السياق، من المهم إعطاء الأولوية لخطط بناء وجود حكومي واضح وفعال وإطلاق عملية إعادة بناء شرعية الدولة في المناطق المحررة. ومن الضروري أيضاً تعبئة الموارد لتلبية الاحتياجات الإنسانية في هذه المناطق.
3- المنافسات العشائرية والسياسية: لا تزال الخصومات السياسية والعشائرية تشكل تحدياً مستمراً في الصومال، مع بقاء العلاقات بين الرئيس ورئيس الوزراء مشحونة. ويواجه الرئيس شيخ محمود، الذي وصل إلى السلطة واعداً بتحقيق المصالحة الصومالية، تحديات في حماية المركز من حركة الشباب ومعالجة المخاوف الأمنية في مقديشو وبنادير. ويمكن أن تخلق الأزمة الأخيرة في لاسعانود التي تؤرق صوماليلاند ودولبهانت بدعم من بونتلاند فرصة أخرى للمتمردين ليكون لهم موطئ قدم في المنطقة.
وللأزمة في لاسعانود تداعيات أوسع بسبب التوترات التاريخية بين صوماليلاند وعشيرة دولبهانت، الذين لم يدعموا مطالبة صوماليلاند بالاستقلال. وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم في السنوات الأخيرة من خلال بناء البنية التحتية الحكومية الجديدة والاستثمارات في التعليم والرعاية الصحية، إلا أن غالبية أفراد العشيرة لا يزالون لا يدعمون مطالب صوماليلاند بشكل كامل. ولا يخفى أن السياسات العشائرية المتزايدة في صوماليلاند، والتي تفضل في الغالب عشيرة إسحاق، أعاقت أيضاً حماس دولبهانت للانخراط في سياسة صوماليلاند. ولعل ذلك يسلط الضوء على الحاجة إلى حل للأزمة في لاسعانود مع الأخذ في الاعتبار التوترات التاريخية والمظالم السياسية لعشيرة دولبهانت.
وفي الختام، ربما تكون الجهود المنسقة محلياً، والتي قامت بدور مهم في النجاحات التي تحققت حتى الآن، قصيرة الأجل بسبب عدم اتساق الاستراتيجية وقدرات الحلفاء المحليين. قد يكون استخدام الميليشيات العشائرية خارج سيطرة كل من هياكل الحكم الفيدرالية والمحلية، مما يؤدي إلى استراتيجية غير متسقة. قد يطرح البعض فكرة التفاوض مع حركة الشباب، حيث تدعو مجموعة الأزمات الدولية بشدة إلى ذلك. ومع ذلك، يتسم الموقف الحكومي بالتردد بشأن هذه القضية، ولا تزال الولايات المتحدة تعارضها. على أن بدء الحوار لا يعني بالضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي، ولكن يمكن أن يبدأ بالتفاوض بشأن وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب لمنع حدوث وفيات بسبب عدم وصول المساعدات.
وعليه، لتحقيق النجاح المستدام، تحتاج معركة الحكومة ضد الجماعة الإرهابية إلى التنسيق بين القوى المحلية والحكومية وبين الشركاء الخارجيين. ومن الضروري وجود خطة مناسبة لتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة. بدون ذلك، يمكن لحركة الشباب استعادة السيطرة وإعادة تأسيس تكتيكاتها في الحكم والعودة إلى الظهور بمزيد من القوة ولاسيما بعد خروج القوت الدولية. ولعل ذلك يعيد مخاوف تكرار نموذج طالبان في القرن الأفريقي.