ديسمبر 11, 2024

تحول كينيا باتجاه الشرق: تحالف استراتيجي أم تكتيكي؟

يتناول هذا التقرير موضوعا هاما وهو العلاقات الصينية الكينية التي هي في حد ذاتها تندرج في موضوع أعم وأشمل وهو علاقة العملاق الآسيوي بالقارة الإفريقية وتجلياتها المختلفة ومعانيها الإستراتيجية وتأثيرها على العلاقات الدولية مع هذه القارة. إن طبيعة المقاربة الصينية لإفريقيا تسعى من ضمن ما تسعى له إلى تحقيق الهدف الصيني في الحصول على الشرعية في عدد من التشكيلات الاجتماعية الإفريقية. وترحب دوائر النخب الحاكمة في إفريقيا بسياسة عدم التدخل الصيني وذلك لغياب المشروطية السياسية.

هذا بشكل عام وفيما يتعلق بكينيا فإن النخب السياسية في كينيا ترحب بالمقاربة الصينية لأنها ليست معنية بأن تسمع أية شروط للمساعدات التنموية. وليس لدى الصينيين فيما يبدو شروط، وتتركز مصالحهم بشكل واضح على إنجاز المشاريع؛ وبالتالي فقد ساعدت تلك المقاربة الصينيين على مواصلة تصرفاتهم القائمة على التراكم من خلال المصادرة في نشاطاتهم في إفريقيا المعاصرة.

على سبيل المثال، هناك حزم لتخفيف الديون عرضتها الصين على بعض البلدان الإفريقية؛ ففي الوقت الذي منحت خطة تخفيف الديون الصين شرعية سياسية في الدول الإفريقية، ومنحت الدول الإفريقية مساحة للمناورة في تعاطيها مع “القوى الغربية”، فإنها تساهم في صناعة فخ الدَّيْن القومي، وهذا واقع مركب يفرض قيودًا على قدرات الدول الإفريقية الاقتصادية. وأكثر من ذلك، تغطي هذه القروض عدة قطاعات بما فيها الصناعات العسكرية.

مقدمة

هناك إجماع على أن سياسة كينيا تتسم بالغموض الشديد منذ تسلم ائتلاف اليوبيل السلطة في مارس/آذار 2013. ويُعزى ذلك الغموض إلى القضيتين المقدمتين في المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس كنياتا ونائبه وليام روتو. وقد أخذت فكرة إسقاط هذه القضايا حيزًا كبيرًا لدى الإدارة الجديدة؛ حيث تنفق موارد كبيرة لمسؤولي الدولة الذين يتابعون القضيتين. وقد تبدّى ذلك في عدد من الزيارات لعواصم أجنبية قام بها مسؤولون حكوميون كبار من أجل حشد الدعم ضد محكمة الجنايات الدولية، وقد ظلت أوغندا حليفًا قويًا في هذه المحاولة. وتبنّت كينيا في نفس الوقت مسارًا جديدًا في سياستها الخارجية، وهو الغموض. وفي هذا السياق تبدو البلاد متجهة نحو الشرق وخاصة الصين كونها مستفيدًا رئيسيًا.

والطريف أن كينيا فيما يبدو قد عادت بنتائج مختلطة في خضم هذا الاضطراب؛ فمن جهة استطاعت أن تعكس صورتها كدولة ذات منعة في المشهد الدولي خاصة في التعامل مع البلدان الإفريقية. وهذا صحيح إلى حد بعيد في قضايا محكمة الجنايات الدولية؛ حيث ساد الخطاب حول الاستعمار الجديد والرابطة الإفريقية بقوة. ومن جهة أخرى، يبدو النظام ضعيفًا وهشًا بالنظر إلى الضغط الذي تمارسه الحكومات الغربية، وبسبب قضايا لاهاي، التي ساهمت بوجه خاص في العدائية التي برزت ضد الغرب أثناء الانتخابات وبعدها مباشرة، والتهديدات بالتوجه إلى الشرق وخاصة الصين وروسيا كوجهة نهائية.

ومع ذلك، يكشف التحليل الدقيق أن هذه العدائية تجاه الغرب ما هي إلا مناورة تهدف إلى إنقاذ النظام، ليس أكثر. وفي الواقع، لا يزال الغرب حاضرًا بشكل محوري في كينيا من خلال المعاملات اليومية. وتواجه الحكومة الكينية تحديات كثيرة؛ فعلى سبيل المثال، هناك تصور راسخ بأن الحكومة قبَلية وإقصائية، وينهض الاختفاء السريع للخطاب الموجه ضد ما يتصورونه التدخل “الاستعماري الجديد” و”الإمبريالية” في شؤون كينيا الداخلية من قبل واشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي كمؤشر على الواقع. وقد كان هذا الخطاب سائدًا حين تسلمت حكومة اليوبيل الحكم.

الصين وكينيا.. والصداقة “الحقيقية”

بعد صعود ائتلاف اليوبيل للسلطة واتخاذه موقفًا مناهضًا للغرب، لم تدخر الصين وقتًا فسارعت إلى الاستفادة من الفرصة التي وفرها لها الخطاب السياسي. وفي هذا السياق، هناك مشاريع ضخمة على الطريق يحيط بها عدد من الأسئلة خاصة فيما يتعلق بتوفير اللوازم. وهذا بالطبع مفهوم في سياق تنامي العلاقات بين البلدين في مجالات التجارة، والبنية التحتية، والتعاون الثقافي والدبلوماسي. ومن الواضح أن زيارة الرئيس أوهورو كنياتا إلى بيجين بُعيْد تسلمه الحكم كانت بدافع الرابطة الاقتصادية المتنامية بين البلدين.

وقاد الرئيس كنياتا وفدًا رفيعًا من مسؤولين حكوميين كبار، وتكنوقراط ورجال أعمال في رحلته إلى الصين، واستطاع الحصول على ما يقرب من 5 مليارات دولار (425 مليار شيلنغ كيني) رصدتها الصين للاستثمار في خطوط السكة الحديد والطاقة وحماية الحياة البرية وبعض المشاريع المشتركة.(1) أحد المشاريع التي شرعوا في تنفيذها هو مشروع السكة الحديد الذي سيصل بين مينائي: مومباسا وملبا. ومن المتوقع أن يعمل هذا المشروع على تحسين المواصلات مع أوغندا ورواندا، وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية الشرقية.(2) وهذا من بين كثير من الأسئلة حول إجراءات العطاءات التي فيما يبدو خضعت للاختراق.

كانت زيارة الرئيس كنياتا موضع اهتمام وسائل الإعلام؛ ففي اليوم الأول من الزيارة، نشرت صحيفة “ساوث تشاينا مورننغ”، التي تصدر في هونغ كونغ، عنوانًا رئيسيًا هو: الرئيس أوهورو كنياتا يرنو ببصره شرقًا من بكين إلى موسكو. وفي ديسمبر/كانون الأول 2013 نشرت صحيفة “ستار” تقريرًا عن نائب الرئيس وليام روتو يمدح فيه الصين ويصفها بـ”صديقة كينيا الحقيقية”، وشكر رتو القيادة الصينية لرفضها “الانقياد إلى مصائر غريبة”، يدبرها الغرب. وفي هجوم مبطن على أوروبا والولايات المتحدة، رأى روتو في الحكومة الصينية “معلمًا وشريكًا يستحق التقدير، وصديقًا حقيقيًا” لأهل كينيا. جاءت هذه التصريحات أثناء حفل بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين كينيا والصين.(3)

لكن هل تتحول كينيا فعلاً باتجاه الشرق؟

هذا السؤال، مثل غيره من الأسئلة، يظل قائمًا لا سيما في ظل النفوذ المتزايد لبعض دول الشرق وذلك بالنظر إلى قوتها الاقتصادية المتنامية. ما هي الأسباب الدافعة لذلك؟ هل صعود نظام اليوبيل بعد انتخابات 2013 هو الدافع الرئيس؟ ولماذا؟ وبمراجعة محددة للتصريحات العامة بما في ذلك الخطابات في المنتديات الوطنية والإقليمية، يتبدى أن نظام اليوبيل قلق بشأن تصديق أوراق اعتماده كنظام قومي ينادي بالرابطة الإفريقية، وقد تجلّى ذلك في العلاقات الدافئة باطراد بين نيروبي وبيجين.

ومع ذلك، فإن أي اختبار لسياسات كينيا يكشف عن صورة معقدة ذات طبقات متعددة، تزخر بالتناقضات والتقلبات. وربما كان أوضح استكشاف للواقع ما نشرته صحيفة “بزنس ديلي” يوم 6 يناير/كانون الثاني 2014؛ إذ أوضحت أن وزير المالية قد طلب من صندوق النقد الدولي قرضًا طارئًا تخطط كينيا لاستخدامه في التعاطي مع صدمات اقتصادية تتداعى. وقد وضعت الحكومة هذا القرض على جدول أعمال لقاء عقدته مع رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد أثناء زيارتها للبلاد. لكن هذا القرض يهدف إلى تعزيز تدخل صندوق النقد الدولي، الذي تهيمن عليه أميركا، في سياسات كينيا العامة بعد عقد من التدهور.

التناقضات بين الواقع والمـناورة السياسية تشير إلى أن وراء الخطاب المناهض للغرب، نظام مرتبط بقوة بالأرثوذكسية المالية لتوأمي برتون وودز (وهما: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، وبالوصفات المألوفة التي تصحب حزمة “إجماع واشنطن”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مصطلح “التحول شرقًا” مضلل من الناحية الأيديولوجية؛ إذ ليس من الحق في شيء استخدام مصطلحات الحرب الباردة لوصف الواقع الجيوسياسي في القرن الحادي والعشرين، ولا سيما بعد انهيار حائط برلين وسقوط الكتلة السوفيتية، وخاصة إذا ما عرفنا أنه في حالة الصين، انتهت ثنائيات الشرق والغرب مبكرًا؛ إذ يعود ذلك إلى لحظة انتصار مجموعة دينغ شاو بينغ على فصيل ماوي كان يقوده جيانغ كنغ في عام 1976.

ويعتبر دينغ أكثر القادة الصينيين تأثيرًا بعد ماو، وقد نجح في قيادة العملاق الآسيوي نحو التغيير الجذري لتوجه الصين الأيديولوجي، بينما حافظ على المداهنة الشكلية لـ”الشيوعية” البائدة؛ فقد صنع “اقتصاد السوق الاشتراكي” من الصين قوة عالمية تنافس الولايات المتحدة ودول مجموعة الثمانية الكبار، وذلك بفضل “أهداف التحديث الأربعة”. وحين يريد المرء فهم الصين فعليه أن يدرس دولتها القومية المعاصرة والمصالح الاستراتيجية، ولا يكتفي بالوصفة الجاهزة القائمة على أيديولوجية الشرق والغرب البالية.

الصين وإفريقيا.. شرعية القوى الناعمة

التصورات الإفريقية لحضور الصين في إفريقيا (بامبازوكا، 2007) تعرض عددًا من الرؤى المستنيرة قدمها عدد من الباحثين المهتمين بموزمبيق وزيمبابوي وغانا وغينيا الاستوائية والسودان وليبيريا وأنغولا والكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا وبلدان أخرى في القارة. وفي فصل يحمل دلالات خاصة حول تأثير الحضور الصيني على البيئة في إفريقيا، توثق ميشيل تشان فسيل أحوالاً مقلقة، وتستشهد بصفقات مثيرة للجدل وقّعتها الصين في السودان خلال فترة تعرضت فيها حقوق الإنسان للانتهاك في هذا البلد، كما تتحدث عن “الانتهاك الواضح للقانون” في الغابون حيث تتهرب الشركات الصينية العاملة في صناعة الأخشاب من دفع 60% من الضرائب، كما تشير إلى أن 70% من صادرات الأخشاب من الجابون للصين غير قانونية؛ وتتحدث عن أوضاع مشابهة في تجارة الأخشاب في غينيا الاستوائية وليبيريا والكاميرون. أما في حالة التنقيب عن النحاس في زامبيا، فتتهم المؤلفة شركات صينية بسبب العدد المقلق من حوادث المناجم.(4)

ويتحدث عدد من الكتّاب بمن فيهم أنابيلا ريبيرو ودانييل ريبيرو في فصل آخر من الكتاب عن مقترح سد مفاندا نكوا، وهو مشروع في موزمبيق. ويُنظر إلى هذا المشروع على أنه مثال جيد لمشاكل عدم اهتمام الصين بحقوق الإنسان والتأثير البيئي للمشاريع التي يمولونها. مقترح مشروع سد مفاندا نكوا، والذي تبلغ تكلفته 2.3 مليارات دولار، أثار نقاشًا حاميًا في موزمبيق في أوساط المجتمع المدني وبين أهالي المناطق التي يمكن أن يؤثر عليها بناء السد. وقد أدى التقييم الاجتماعي والبيئي الضعيف للمشاريع، والمخاطر الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والتقنية الكبيرة وكثير من التأثيرات السلبية إلى أن ينسحب الممولون الغربيون مثل البنك الدولي من تمويل المشروع. وبرغم كل تلك المشاكل وافق بنك إكسم الصيني على تمويل بناء مشروع السد؛ فالسد سوف… يقلل من أهمية سنوات إعادة البناء في دلتا زامبيزي (أغنى منطقة في شرق إفريقيا بالماء) التي تضررت بسبب سوء إدارة سد كاهورا باسا، والذي لا يبعد سوى 70 كليو مترًا عن مفاندا نكوا.(5)

حاول عدة باحثين تحليل مساهمة الصين في التنمية الاقتصادية في إفريقيا، ومن هؤلاء نجيري ساهل (2008) الذي يرى أن استراتيجية القوة الناعمة التي تتبعها الدولة الصينية في إفريقيا تهدف إلى الحصول على الشرعية؛ وهذا تطور قد يؤدي إلى ظروف تحقق من خلالها مصالحها القومية. ثانيًا: طبيعة المقاربة الصينية لإفريقيا تسهّل تحقيق هدفها في الحصول على الشرعية في عدد من التشكيلات الاجتماعية الإفريقية. وترحب دوائر النخب الحاكمة في إفريقيا بسياسة عدم التدخل الصيني وذلك لغياب المشروطية السياسية.

وترحب النخب السياسية في كينيا بهذه المقاربة لأنها ليست معنية بأن تسمع أية شروط للمساعدات التنموية. وليس لدى الصينيين فيما يبدو شروط، وتتركز مصالحهم بشكل واضح على إنجاز المشاريع؛ وبالتالي فقد ساعدت تلك المقاربة الصينيين على مواصلة تصرفاتهم القائمة على التراكم من خلال المصادرة في نشاطاتهم في إفريقيا المعاصرة.

على سبيل المثال، هناك حزم لتخفيف الديون عرضتها الصين على بعض البلدان الإفريقية؛ ففي الوقت الذي منحت خطة تخفيف الديون الصين شرعية سياسية في الدول الإفريقية، ومنحت الدول الإفريقية مساحة للمناورة في تعاطيها مع “القوى الغربية”، فإنها تساهم في صناعة فخ الدَّيْن القومي، وهذا واقع مركب يفرض قيودًا على قدرات الدول الإفريقية الاقتصادية. وأكثر من ذلك، تغطي هذه القروض عدة قطاعات بما فيها الصناعات العسكرية.

ورغم أن تجارة إفريقيا مع الصين ازدادت، فإن العلاقات الاقتصادية بين الصين والقارة تسير بغير توازن؛ فالتصدير الصيني للبلدان الإفريقية متنوع؛ إذ يتكون من بضائع استهلاكية رخيصة ومنتوجات غالية الثمن مثل الماكينات والمنسوجات، والملابس والتي تمثل 87% من صادرات البلاد إلى القارة. وبالعكس، فإن العمود الفقري لسلة صادرات إفريقيا للصين يتشكّل من السلع بشكل رئيسي. على أن هناك عملية هدم للصناعة الإفريقية، وهذا نتيجة لإغراق الأسواق الإفريقية بالسلع الصينية. وبالإضافة إلى بحث الصين عن الأسواق فإن حرصها على أن يكون لها حصة معتمدة من موارد إفريقيا الطبيعية يعد أمرًا مركزيًا في استراتيجية الصين الاقتصادية في إفريقيا، وأكثر ما يتبدى ذلك الحرص في التعامل مع قطاع النفط. وباختصار، فإن تصرفات الصين في إفريقيا المعاصرة تمثل في جوهرها عمليات تراكم من خلال التشويش أكثر منها فوائد متبادلة. والحق أن الصين لن تتردد في أن تؤكد التزامها بحماية مصالحها إن رأت أن هناك تهديدًا لتصرفاتها الاقتصادية.(6)

الانتهازية والسياسة الواقعية وراء العلاقات الصينية-الكينية

إذا عدنا لتقارير الصحافة عن نشاطات الصين في إفريقيا، سنجد اهتمامًا شديدًا بالتجارة؛ فمن زيارة الدولة الرسمية التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة إلى بيجين حيث قام بالزيارة فريق من الشخصيات الكبيرة بقيادة الرئيس أوهورو كنياتا إلى الغضب العام بشأن عقد بناء السكة الحديد المثير للجدل وهو اللازمة التي تطغى على العلاقات الاقتصادية بين الدولتين.

وهذا لصالح الطبقة السياسية المهيمنة وذلك بسبب حافز داخلي إضافي على الجانب الكيني، وهو الحاجة إلى الحفاظ على الهجوم القومي الزائف على “الغرب الإمبريالي” كوسيلة للوقوف ضد الدعاية السلبية الناتجة عن المحاكمات الجارية بمحكمة الجنايات الدولية ضد الرئيس كنياتا ونائبه، وليام روتو. وعليه، وكما تمت الإشارة من قبل، يتضح أن هناك نموذجًا مألوفًا للتعامل مع البلدان الإفريقية، مثلما حصل من قبل. وليس من المحتمل أن يتغير النموذج في حالة كينيا؛ إذ يكشف الجدل الدائر حول العطاء الثاني للسكة الحديد، أن النموذج التجاري يظل ساريًا رغم مقاومة المواطنين.

فحكومة الائتلاف التي تسيطر على التشريع في كينيا والتي يتبعها عدد كبير من حكومات الولايات التي يديرها ولاة وأعضاء جمعيات المقاطعات الذين تم انتخابهم تحت حماية الأحزاب السياسية المكونة لها، قد كان تسلمها للسلطة محل نزاع شديد.

ويشجع الحكومة ما يُعرف بـ”طغيان الأرقام”. ولقد نظر معظم الكينيين الذين هم خارج نطاق قاعدة الحكومة الاجتماعية إليها على أنها نظام لا يعتني إلا بمجموعتين من الإثنيات التي يزيد عددها عن ثلاثين مجموعة إثنية؛ فبلد تُترجم فيه الانتماءات القبلية إلى علاقات بين المانح ووكيله في الدولة، لابد أن يشهد احتجاجًا خاصة ضد التعيينات في نظام الرئيس كنياتا الذي يبدو أنه يفضّل نخبًا يعينها من مجموعات أغيكيو وكلينجن، وهو ميل يراه البعض حنثًا بالوعود الكبيرة التي قطعها دستور 2010، وهو استنساخ لأيام مازي جومو كنياتا ودانيال آراب موي. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتجاج ضد الهجوم على الحريات المدنية والديمقراطية، خاصة تلك التي تستهدف الإعلام والمجتمع المدني الذي كان يومًا ما نشطًا. فانعدام الأمن سواء الناتج عن النشاطات الإجرامية العنيفة والمنفلتة والتي تزداد كل يوم أو عن موجة الهجمات الإرهابية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ كينيا، كل هذا جعل كثيرًا من المراقبين يتهمون السلطات بالتخلي عن مسؤولياتها في حكومة يُتوقع منها أن توفر الأمن والرفاه لمواطنيها.

أما على الجبهة الدولية، فإن محكمة الجنايات الدولية مشكلة كبيرة. تشتهر كينيا بقدرتها على المخادعة من بين دول العالم كونها الدولة الوحيدة التي يجلس رئيسها المنتخب ونائبه في قفص الاتهام في لاهاي بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية واعتداءات خطيرة، مثل: القتل والاغتصاب وتهجير مجموعات إثنية وتنفيذ مؤامرات على نطاق واسع.

ويُنظر إلى التقرب الكيني من الصين والاتحاد الإفريقي على أنه محاولة أخيرة للتمسك بالسلطة بأية وسيلة ممكنة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المناورة الهزلية التي صممها في لندن خبراء إعلاميون مقربون من المحافظين لإعطاء صورة عن حكومة اليوبيل اليمينية وتقديمها على أنها حملة جديدة ضد الإمبريالية؛ كل ذلك يهدف إلى نفس الشيء، وهو التمسك بالسلطة. في ضوء هذه العملية، يُنظر إلى ائتلاف اليوبيل على أنه مناهض لـ”سيد عنصري استعماري جديد”، يتربص من أماكن بعيدة كواشنطن ولندن وبروكسل وبرلين وباريس وعواصم أخرى. الزيارة الأخيرة التي قامت بها رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد تميزت كشوكة مزعجة خرقت بالون دعاية “النزعة القومية” المهنئة للذات، عندما ذكّر صندوق النقد الطغمة الحاكمة في نيروبي بمن هو الذي يسيطر على الخطاب بشأن كينيا، والخطاب الاقتصادي الإقليمي الكلي.

خاتمة

رغم الخطاب السياسي المناهض للحكومات الغربية الذي ميز الأيام الأولى لنظام اليوبيل، فإن المحللين ينذرون بشكل متزايد بأن هناك وضعًا راهنًا سيظل سائدًا. وبالنظر إلى أداء الحكومة الباهت في أول سنة والانطباع السائد بأنها أكثر الحكومات إقصاء؛ فقد سيطر عليها هم جديد وهو التعامل مع التضاريس السياسية غير المطمئنة من خلال التلاعب بالجماهير.

وتظل كينيا ذات أهمية استراتيجية من الناحية الجيوسياسية، كما أنها مركز إمبريالي فرعي يسيطر على الاقتصاد في شرق ووسط إفريقيا. هذا الموقع يتعزز مع ظهور الأزمة السياسية والعسكرية في جنوب السودان. وبهذا المعنى، فليس من شك بأن نيروبي ستقوم بتقارب هادئ مع نفس القوى التي تهاجمها وتصمها بـ”المضطهدين الأجانب”، عاجلاً وليس آجلاً.

وبالفعل، فإن مصالح نظام اليوبيل الطبقية الآخذة بالتوسع سوف تؤدي، عاجلاً وليس آجلاً، إلى مواءمة بين النخبة الكينية الحالية الممسكة بالسلطة وبين أولئك الذين لهم بها علاقات تجارية تقليدية. وحتى نظام أوباما يمكن أن يوقف تدخله في الوقت الذي تُجري فيه أجهزته ترتيبات أمنية مخابراتية مع نظام اليوبيل؛ حيث يتحد الطرفان بسبب قلقهم المشترك من التهديد المتزايد الذي تشكّله الخلايا الإرهابية التابعة لتنظيم الشباب والتي تمكنت مؤخرًا من تجنيد عدد متزايد من الشباب الراديكاليين في مومباسا، ونيروبي وشمال كينيا.

في كل هذه القضايا، ستواصل بيجين علاقتها مع النظام الكيني كحليف استراتيجي. أما النخب الكينية التي تتكون من عناصر برجوازية: الكمبرادور، والتي تستمتع بالعطاءات المشبوهة، والمحسوبية والعلاقات القبلية وصفقات الغرف الخلفية الفاسدة، فسوف ترى في الشركات الصينية بقرة حلوبًا تدر عليها ما تحتاجه هذه النخب من مليارات كي تبقى في السلطة لعقود.
_____________________________________________
لوك أوبالا، باحث وجامعي كيني محاضر في كلية البيئة بجامعة نيروبي.

المصادر
1- http://www.businessdailyafrica.com/Uhuru-signs-Sh425bn-financing-deals-with-Chinese-government–/-/539546/1960182/-/v4w55o/-/index.html

2- http://www.businessdailyafrica.com/Uhuru-signs-Sh425bn-financing-deals-with-Chinese-government–/-/539546/1960182/-/v4w55o/-/index.html

3 –  http://allafrica.com/stories/201312150039.html

4 – African Perspectives of China in Africa, Pambazuka Press, 2007 pp 139-152.

5 – Ibid. pp 66-7.

6 – World Orders, Development and Transformation, Dr. Eunice Njeri Sahle, Palgrave

نبذة عن الكاتب

Written by admin
×