أكتوبر 11, 2024

تنظيم الدولة في الصومال: بين الوهم والحقيقة

يتناول هذا التقرير تفاعلات التنظيمات الموسومة بالجهادية بالصومال، وكيف تناسل بعضها من بعض إلى أن وصلت الحال إلى إعلان بعض هذه التنظيمات ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما يطرح أكثر من سؤال لا بالنسبة للصومال فحسب بل أيضا منطقة القرن الإفريقي وشرق أفريقيا.

منذ سقوط الدولة المركزية في الصومال مطلع التسعينات من القرن الماضي، كانت الجماعات المسلحة تتناسل وتأخذ هياكل وأشكالا متنوعة، ومن بينها الحركات السلفية المسلحة في القرن الإفريقي، كما لم تكن ولادة تلك الحركات آتية من فراغ، بل كانت عن قناعة راسخة في

الفكر السلفي الجهادي في الصومال، فكانت الحرب سجالًا بينها وبين أمراء الحرب تارة وتارة أخرى مع القوات الإثيوبية التي كانت تتوغل في مناطق مختلفة جنوب غربي الصومال.

كما أن صعود نجم المحاكم الإسلامية (2004-2006) أعطى زخمًا عسكريًّا وتأييدًا شعبيًّا لتلك الحركات التي توسَّعَ دورها وهيمنت على قيادة غرف العمليات العسكرية والإدارية للمحاكم الإسلامية، لتتحول فيما بعدها إلى تنظيم الشباب المجاهدين، الذي سيطر على أجزاء شاسعة من جنوب ووسط البلاد، إلا أن “الشباب المجاهدين” لم يعد اللاعب الوحيد في المنطقة، بل ظهرت جماعة “حزب الإسلام” بقيادة حسن طاهر، لكن أدى ظهور تلك الجماعات المسلحة من النسخة السلفية إلى تأجيج الصراع بينهما، والذي انتهى بدمج أنصار “حزب الإسلام” في جماعة “الشباب المجاهدين” في عام 2010؛ الأمر الذي أسهم في استقطاب مزيد من القوة العسكرية إلى صفوف حركة الشباب منذ ظهورها الفعلي العسكري عام 2007.

وبعد انسحاب حركة الشباب المجاهدين من العاصمة مقديشو أواخر عام 2011، تحت تأثير الضربات العسكرية التي لحقت بها نتيجة الحشد العسكري الإفريقي مع القوات الصومالية؛ الخطوة التي أدت إلى تمزيق ورقة حركة الشباب العسكرية في العاصمة، وانحسار نفوذها إداريًّا وميدانيًّا في مناطق متفرقة من البلاد؛ نشبت خلافات داخلية وبدأت مرحلة جديدة من التصفيات بين كبار رؤوس ممثلي القاعدة في الصومال.

في هذه الورقة نحاول البحث عن تجليات ظهور تنظيم الدولة في الصومال، ووجوده الفعلي، ومدى تأثير ذلك على الأمن الإقليمي وأبعاده على دول المنطقة، ومستقبل تمدد الدولة في الصومال، وتداعياته على مستقبل ومصير حركة الشباب، التي ظلت وحدها تقارع الحكومات الانتقالية والفيدرالية على مدى عقد من الزمن.

تنظيم الدولة: الوجود والأتباع

قبل الحديث عن تنظيم الدولة الإسلامية من حيث حضوره الميداني وأنصاره، ينبغي التطرق إلى أسباب ظهور هذا التنظيم في القرن الإفريقي ذي الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية بالنسبة للجماعات المسلحة بشقيها (القاعدة وتنظيم الدولة)، وبالنسبة لدول المنطقة التي تجد اهتمامًا منقطع النظير بعد عقدين بات الصومال فيهما في ذيل قائمة اهتمامات المجتمع الدولي.

يرجِّح الخبراء أن من أسباب ظهور تنظيم الدولة في الصومال ما يلي:

  • تصاعد وتيرة الانشقاقات الداخلية التي برزت في بداياتها كأزمة عابرة في جسد حركة الشباب، إلا أنها تحولت إلى تصفيات ميدانية؛ ما أدَّى إلى تآكل دور حركة الشباب العسكري والميداني في المنطقة، ونتيجة تداعي صفوفها تنظيميًّا وهيكليًّا منذ اغتيال قائدها الرُّوحي أحمد عبدي غودني بغارة جوية أميركية جنوب الصومال أواخر عام 2014.
  • الموقع الحيوي والاستراتيجي الذي يتمتع به الصومال، والذي يمثِّل بالنسبة لتنظيم الدولة أهمية كبرى في تجسيد وجوده في القارة السمراء وتثبيت صراعه وتنافسه مع تنظيم القاعدة في شرقي القارة وشمالها، إلى جانب كون الصومال بالنسبة للتنظيم منطقة عبور آمنة تمكِّنه من التغلغل في عمق القارة، من حيث تهريب المقاتلين والعتاد العسكري من الشرق الأوسط إلى الصومال ومن ثم ليبيا وصولًا إلى جماعة بوكو حرام في نيجيريا التي أعلنت ولاءها للتنظيم عام 2015.

بدايات التنظيم في الصومال

وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2015 أعلن عبدالقادر مؤمن (القيادي السابق في حركة الشباب) ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية مع نفر من مقاتلي الحركة الذين كان عددهم أقل من 30 مسلحًا، في خطوة حملت نواة تشكُّل تنظيم جهادي مسلح في الصومال(1) ويعتبر هذا الإعلان هو أول خطوة من نوعها منذ أن تردد في الأوساط الإعلامية في بداية العام 2016 اعتزام الحركة الإعلان عن بيعتها لداعش على غرار ما قامت به بوكو حرام النيجيرية، ويبدو أن القيادة العليا للحركة مصممة على بقائها في عباءة تنظيم القاعدة الذي أعلنت الولاء له في 2012(2).

التنظيم الحركي: رغم إعلان مجموعة من المقاتلين السابقين في حركة الشباب ولاءهم لتنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن التنظيم الجديد لا يزال في طور التشكل؛ إذ لا يتعدى أفراده 100 إلى 150 مقاتلًا عسكريًّا، إلا أن بعض المعلومات الأمنية أفاد بأن التنظيم بدأ يتمدد في شمال شرقي الصومال، ويُخرِّج أفواجًا جديدة من المقاتلين الذين تجاوز عددهم 300 مسلح أنهوا تدريباتهم العسكرية قبل أشهر قليلة.

ويُعد عبد القادر مؤمن القيادي الرُّوحي لتنظيم الدولة في الصومال، كما أن جماعته لم تُعلن رسميًّا هيكلًا إداريًّا كما كان معروفًا لدى الجماعات المسلحة ذات الصبغة الأيديولوجية، ولا تتوافر معلومات دقيقة حول القدرة العسكرية للتنظيم، وهل يشكِّل في هذه المرحلة تهديدًا عسكريًّا للصومال وجواره الجغرافي؟ ومدى احتمالية تفوقه ميدانيًّا وعسكريًّا على القوات الصومالية والإفريقية في جنوب ووسط البلاد.

وأوضحت مصادر صومالية أن تنظيم الدولة بدأ يركز اهتماماته في الاستيلاء على مناطق مهمة واستراتيجية وخاصة تلك المناطق المطلة على ساحل المحيط الهندي، بغية تهريب العتاد العسكري إلى أتباعه في المنطقة، إلى جانب تدفق المسلحين الأجانب، لتعزيز قدرات أنصاره الجدد وتدريبهم عسكريًّا وتأهيلهم بشكل فعلي وتلقينهم أيديولوجية التنظيم وأفكاره وذلك من أجل بسط سيطرته مستقبلًا على الصومال(3).

الأفكار والمنطلقات: شكَّلت المنتديات الإسلامية ومواقع التواصل الاجتماعي منصات يستخدمها تنظيم الدولة الإسلامية لبث أفكاره لاستقطاب مقاتلين جددًا، وكان الصومال جزءًا كبيرًا من اهتمامات تنظيم الدولة، فكان المجنَّدون الصوماليون في الخارج يلتحقون بالتنظيم في سوريا والعراق؛ ما يوحي بأن الآلة الدعائية التي يستخدمها التنظيم أثَّرت في نفسيات وقناعات المجندين الصغار؛ إذ أفادت التقارير أن أكثر من 15 أميركيًّا من أصول صومالية لحقوا بالتنظيم في سوريا وأن أغلبهم قُتل في المعارك عام 2015(4).

كما أن الإصدارات المرئية التي تبثها أفرع التنظيم في ليبيا ومصر تشكِّل قوة جذب للمقاتلين الصوماليين إلى صفوف التنظيم، الذي يُلمِّح إلى أنه أكثر عالمية وتوسعًا من أجل إقامة خلافة إسلامية كما يدَّعيه عبر تسجيلاته ومرئياته المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات؛ إذ عرض المكتب الإعلامي لتنظيم الدولة في سيناء إصدارًا، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، بعنوان “من سيناء إلى الصومال” تحدَّث فيه أحد عناصر التنظيم قائلًا: إن “الدولة الإسلامية ترى مجاهدي الصومال من الباحثين عن الحق”. كما بَثَّ المكتب الإعلامي في ولاية حمص إصدارًا مرئيًّا بعنوان “رسالة للمجاهدين في أرض الصومال”، دعا خلاله أسامة الجزراوي، وهو سعودي، حركة الشباب لبيعة البغدادي(5).

ومع أن تنظيم الدولة يتمتع بعوامل جذب واستقطاب هائلة، إلا أنه ليس من السهل تحديد حجم ونفوذ الفصيل المؤيد للدولة الإسلامية، وما إذا كان قادرًا على تحفيز مزيد من المؤيدين بين حركة الشباب، بمعزل عن عدد من المقاتلين الأجانب الذين يدعمون هم أيضًا تحالفًا مع الدولة الإسلامية(6).

ويُعد تحوُّل الداعية الجهادي المقيم في كينيا، حسين حسن الملقب بـ”حسان”، إلى صفوف تنظيم الدولة، نقطة استقطاب مهمة تمكِّن التنظيم من استيعاب أفراد جدد من مقاتلي حركة الشباب أو المتحمسين من الحركات الجهادية داخل كينيا والصومال، ويدعو “حسين” أتباعه إلى التواجد في صفوف التنظيم، كما قال في رسالة صوتية مسجَّلة مؤخرًا، ليتجاوزوا على حدِّ قوله “إمارة الشباب الصغيرة” ويقبلوا بأبي بكر البغدادي كأمير للمؤمنين(7).

النفوذ الجغرافي: تُعد المناطق بشمال شرقي الصومال البيئة الحاضنة الرسمية لتنظيم الدولة، وخاصة جبال غلغلا التي كانت في الأساس موطنًا لأفراد ومقاتلي حركة الشباب، قبل أن يُسلِّم محمد سعيد أتم (قائد الحركة) نفسَه إلى الحكومة الصومالية عام 2014، وأصبحت تلك المنطقة بشكل شبه نهائي مركز نفوذ واستقبال للمقاتلين الجدد والأجانب، إلى جانب تلقي مساعدات عسكرية من تنظيم الدولة في اليمن(8).

كما أن مجموعات أخرى لم تُعرف رسميًّا قيادتها وعددُها، أعلنت ولاءها لداعش وتتمركز في محافظات بجوبا السفلي والوسطى بولاية جوبالاند(9)، إلا أن تلك المجموعات تمثِّل أفرادًا بقوا يكتمون إعلان ولائهم للتنظيم، إلا أنها تجرأت أخيرًا على إعلانها إمارة إسلامية بايعت تنظيم الدولة.

أبعاد ظهور التنظيم في الصومال

دخول تنظيم الدولة على خطوط التماس في المشهد السياسي والأمني في الصومال، لا شك أنه سيترك أثرًا بالغًا على مجريات المشهد الدراماتيكي والمستقبل السياسي في المنطقة، سيما جهود المجتمع الدولي ودول المنطقة والاتحاد الإفريقي للحد من خطر الإسلام الراديكالي في القرن الإفريقي.

ويمكن تقسيم الآثار المترتبة على بروز التنظيم في الصومالي إلى ما يلي: 

  • البُعد المحلي

موقف الحكومة الفيدرالية: يبدو أن إعلان أفراد من حركة الشباب مبايعتهم لتنظيم الدولة في البلاد، أربك سياسة الحكومة الصومالية تجاه احتواء ظاهرة تمدد الحركات المسلحة ذات الطابع الأيديولوجي في المنطقة، وهي الجهود التي لا تتم إلا بتنسيق مع المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي، فالقلق الحكومي يكمن في تبلور ظاهرة التنظيم وتجذره بشكل فعلي على أرض الواقع، وتحول هذا التنظيم من خانة الولادة القيصرية إلى تهديد أمني يقلب أرصدتها ونجاحاتها العسكري مؤخرًا ضد حركة الشباب التي لم تستطع الحفاظ على تماسكها الداخلي وترتيب صفوفها مجددًا منذ انسحابها من أغلب المدن الإستراتيجية من وسط وجنوب الصومال.

كما أن الإعلام الحكومي يبالغ في أحيان كثيرة في وصف عمليات عسكرية تنفذها أجهزة الاستخبارات الصومالية بين الحين والآخر ضد معاقل قيل: إنها تابعة لتنظيم الدولة، دون أن يتفوه أتباع التنظيم بأية تصريحات تجاه مزاعم الحكومة الصومالية بتدمير خلايا نائمة وضبط أجهزة حاسوب تتبع لأفراد من تنظيم الدولة.

ويعتقد كثير من المحللين أن التضخيم الإعلامي المصاحب لعمليات القوات الأمنية ضد من وُصفوا بأتباع داعش في جنوب الصومال، له دلالات أخرى أكبر من تنفيذ عملية أمنية، ويذهب مغزاها إلى حشد الرأي العام وتعبئة الشعب نحو حرب حقيقية مع التنظيم، إلى جانب كسب وُدِّ المجتمع الدولي في حرب مفتوحة الأبعاد والاحتمالات مع التنظيم، وهي حرب سيكون الشعب الضحية الأبرز والحلقة الأضعف فيها، كما أنها حرب لن تُحسَم بين عشية وضحاها.

خوف محلي: شعبيًا، يبدو القلق الأمني مسيطرًا على حياة الناس، وأحاديثهم في المقاهي الشعبية؛ إذ إن بروز تنظيم جهادي مسلح يأخذ أبعادًا أخرى في سياق فوبيا الفوضى الأمنية التي تتعافى البلاد من تداعياتها وآثارها رويدًا رويدًا، كما أن اندلاع جبهات قتالية أخرى في البلاد يعني بالنسبة للصوماليين تأزيم الوضع الأمني والاقتصادي، وخطف آمال ومستقبل بقية الأجيال التي بقيت من آثار الصراع الطاحن الذي شهده الصومال على مدار عقدين كاملين.

ويُعدُّ المستثمرون العائدون من دول المهجر الفئة الأكثر تضررًا في حال دخل التنظيم بشكل فعلي على خطوط الحرب مع الحكومة الفيدرالية والقوات الإفريقية، باعتبارهم جزءًا من الثورة الاقتصادية التي شهدتها العاصمة في الفترة الأخيرة بسبب التحسن الأمني فيها، وسيضطر هؤلاء إلى الهروب إلى الخارج مجددًا ومعهم رؤوس الأموال التي حاولوا استثمارها في بلادهم.

  • البُعد الإقليمي والدولي

أمن دول الجوار: يرجح المحللون أنه في حال تعاظم نفوذ تنظيم الدولة في الصومال، فإن دول الجوار لن تكون في مأمن عن ضربات التنظيم مثلما أوجعتها حركة الشباب في كل من كينيا واثيوبيا وأوغندا، وأعلنت الحكومة الكينية، في مايو/أيار 2016، عن إحباطها هجومًا بالجمرة الخبيثة كاد ينفذها أتباع لتنظيم الدولة داخل الأراضي الكينية، ورصدت الأجهزة الأمنية الكينية 20 ألف دولار بحق شخصيات صومالية يُعتقد أنها كانت تخطط لهذا الهجوم. ويعتقد الخبراء أن تنظيم الدولة زرع الرعب في دوائر السلطات الكينية التي بادرت بالإسراع إلى إحباط هذا الهجوم(10).

واللافت أن ظاهرة التشدد الإسلامي في القرن الإفريقي المتمثلة في حركة الشباب وتنظيم الدولة ستزيد القلق الإقليمي من تنامي ظاهرة العنف والعنف المضاد في المنطقة، وفي حال أثبت تنظيم الدولة وجوده وقوته في الصومال، فإنه سيسدد ضرباته ضد دول الجوار الإقليمي وخاصة إثيوبيا وكينيا، وهي الدول الأكثر تدخلًا في الشؤون السياسية والأمنية الصومالية عبر قوات حفظ السلام الإفريقية من جهة وعبر حلفائها في المنطقة من جهة ثانية.

تهديد التجارة العالمية: تشير الدراسات الأمنية إلى أن تمركز تنظيم الدولة في جبال غلغلا سيطيل أمد بقائه في تلك المناطق، وتتميز تلك المناطق بموقع جغرافي مهم كونها تطل على ساحل المحيط الهندي؛ الأمر الذي سيدفع التنظيم إلى محاولة التواجد في الموانئ والمدن الساحلية، نظرًا لأهمية تلك المواقع بالنسبة له في نقل الأفراد والسلاح والأموال إلى مجموعاته المختلفة، وهو ما يعني احتمالية استخدام تلك المناطق في تهديد الملاحة الدولية في المستقبل(11).

تمدُّد أفراد تنظيم الدولة له تداعياته السلبية وأهمُّها تهديد حركة الملاحة الدولية، في ظل وجود بيئة مواتية لانتشار التنظيمات الإرهابية في الصومال؛ حيث تزايدت تدفقات المقاتلين الصوماليين على تنظيم “الدولة الإسلامية” في الآونة الأخيرة عقب الحصار العسكري المفروض على معاقل الحركة في الصومال(12).

تنظيم الدولة وحركة الشباب: من يسقط أولًا؟

منذ إعلان مبايعة أفراد من حركة الشباب المنشقين عنها مبايعتهم لأبي بكر البغدادي، لم يتوانَ تنظيم الشباب المجاهدين عن إطلاق وعيد قاس لمن يعلن ولاءه للتنظيم أو حتى يُبدي تعاطفه معه، وهو الوعيد الذي تمثَّل في تنفيذ عملية إعدام ميدانية وهجمات ضد أفراد كانوا قد بايعوا تنظيم الدولة في مناطق بإقليم شبيلي السفلي جنوب الصومال، وذلك بعد شهر من ظهور أتباع التنظيم في البلاد، كما أعدمت الحركة أحد قياديها ويُدعى محمد مكاوي السوداني نهاية ديسمبر/كانون الأول عام 2015، ويبدو أن العداء مستفحل بين التنظيمين (الدولة وحركة الشباب) وهو الذي نما في الفترة الأخيرة في صورة تسجيلات مرئية متبادلة بين الجانبين، تكون لغة التهديد والوعيد السمة البارزة في تلك التسجيلات، غير أن حركة الشباب تتمتع بنفوذ واسع يمكِّنها من أن تقوِّض جهود التنظيم لبسط سيطرته على القرن الإفريقي، ما يجعل تلك المناطق خالصة لأفراد الحركة الذين يواجهون مدَّ النفوذ العسكري الحكومي في الفترة الأخيرة.

ورغم تقارب أيديولوجية التنظيمين من حيث الفكر السلفي الجهادي الذي يوحدهما، إلا أن ما يفرقهما أكثر، من حيث بشاعة العمليات التي ينفذها تنظيم الدولة في سوريا والعراق، والتي أعطت صورة نمطية سوداء لدى الشارع الصومالي، تصوِّره بمثابة وحش كاسر، ما يعزز فرضية عدم تقبل تنظيم الدولة في الصومال على المستقبل القريب والبعيد. كما أن حركة الشباب ليست أكثر فرصًا من تنظيم الدولة، ففرصتها للعودة إلى سابق عهدها غير محتملة في الفترة المقبلة، كما أن الضربات العسكرية التي تُلاحَق بها ليل نهار، أفقدت قوتها الميدانية، وتأييدها وتعاطفها من الشعب.

ويتساءل المحللون عن مستقبل ومصير كل من التنظيمين في منطقة القرن الإفريقي، فهل يقدر كل منهما على البقاء طويلًا رغم عدم وجود إمكانية للتعايش بينهما مع أن حركة الشباب لديها من القدرات العسكرية ما يوفر لها إمكانية تحديد أماكن تمدد تنظيم الدولة في المنطقة، وتبدو هي الأوفر حظًّا لتصفية تمدد تنظيم الدولة، مثلما فعلت مع الحزب الإسلامي في العاصمة مقديشو.

الأمن الإقليمي وملامح المستقبل

من الواضح أن مستقبل الأمن الإقليمي بات مرهونًا بتجليات الصراع المحتدم بين جهود الحكومة الفيدرالية التي تجد دعمًا لوجستيًّا وعسكريًّا من المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي من جهة والتنظيمات الجهادية من جهة ثانية، وتنعكس دومًا الأزمات الأمنية في الصومال بشكل سلبي على أمن دول الجوار بسبب كونها حليفة مع الحكومة الصومالية، ففي حال تبلورت ظاهرة تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة، فإن لها مآلاتها السياسية وتحدياتها الأمنية على كافة دول المنطقة.

والملاحظ أن تقهقر قوة حركة الشباب ميدانيًّا في الآونة الأخيرة وتصاعد قوة تنظيم الدولة على نحو تدريجي ستؤثر بلا شك على قوة وتماسك حركة الشباب، التي من المرجح أن يعلن أفراد منها مبايعتهم لتنظيم الدولة، فالعُرف السائد عند الجماعات المسلحة الراديكالية في المنطقة هو مفارقة الأضعف في حالة الموت، واللحاق بركب القوة الصاعدة، فإذا تمكن تنظيم من إثبات جدارته وصعوده في الفترة المقبلة، سيكون هذا الأمر قضية لها ما بعدها من التداعيات السلبية على مستقبل دول المنطقة أمنيًّا واقتصاديًّا، وتكون الحلول الجذرية لتصفيته صعبة التنفيذ، ما سيدفع دول المنطقة في حال إيجاد سياسة مشتركة بنَّاءة لمواجهة التنظيم إلى خوض معركة جديدة مع فصيل مسلح يستفزهم دمويًّا ولوجستيًّا.

ليس من السهل التكهن بما سيؤول إليه مستقبل أتباع التنظيم في القرن الإفريقي، لكن ما لا يختلف عليه اثنان هو أن التنظيم يعيش في مرحلة مخاض عسيرة، فالتحديات التي أمامه كثيرة، ومستقبل بقائه في الصومال ليس مفروشًا بالورود، فحركة الشباب ترصد أتباعه وتطاردهم في الأدغال، ما يجعله لا يتمتع بحظوظ البقاء أكثر، إذا لم يتحالف مع حركة الشباب، وشكَّلا إمارة تابعة لأبي بكر البغدادي، لكن ذلك أمر مستبعد بين تنظيمين لدودين في الصومال المفتوح لكل الاحتمالات والتوقعات.

__________________________

شافعي أبتدون – كاتب وباحث صومالي

المصدر/ تنظيم الدولة في الصومال: بين الوهم والحقيقة | Al Jazeera Centre for Studies

 

REFERENCES

1 – «داعش» ينافس «الشباب» ويحاول جذب مجنَّدين له في الصومال (تم تصفحه بتاريخ 12 مايو/ أيار 2016):

http://www.alhayat.com/Articles/13019932/-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4–%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%81%D8%B3–%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8–%D9%88%D9%8A%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84-%D8%AC%D8%B0%D8%A8-%D9%85%D8%AC%D9%86%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84

2- دلالات إعلان عناصر من “شباب” الصومال ولاءها لـ”داعش” (تم تصفحه بتاريخ 12 مايو/ أيار 2016):

http://www.qiraatafrican.com/home/new/%D8%AF%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84-%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%A1%D9%87%D8%A7-%D9%84%D9%80-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4

3 – Intelligence Official: Islamic State Growing in Somalia:

http://www.voanews.com/content/intelligence-official-islamic-state-growing-in-somalia/3316326.html

(تم تصفحه بتاريخ 12 مايو/ أيار 2016)

4 – حركة الشباب الصومالية بين الولاء لـ(القاعدة) أو الالتحاق بـ(داعش) (تم تصفحه بتاريخ 14 مايو/ أيار 2016):

http://www.alriyadh.com/1028897

5 – هل يتمدد تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال؟ (تم تصفحه بتاريخ 15 مايو/ أيار 2016)

http://islamion.com/news/%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%AA%D9%85%D8%AF%D8%AF-%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84%D8%9F/

6 – ولاء “الشباب” الصومالية بين القاعدة وتنظيم الدولة (تم تصفحه بتاريخ 17 مايو/ أيار 2016):

http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2015/4/26/%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9

7 – هل يتمدد تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال؟ نفس المرجع.

8 – Intelligence Official: Islamic State Growing in Somalia:

http://www.voanews.com/content/intelligence-official-islamic-state-growing-in-somalia/3316326.html

(تم تصفحه بتاريخ 18 مايو/ أيار 2016)

9 – جوبا لاند: هي واحدة من الإدارات الإقليمية التابعة للحكومة الفيدرالية، تشكَّلت في عام 2015 يقودها القيادي السابق بالمحاكم الإسلامية أحمد إسلان مدوبي.

10 – كينيا “تحبط هجومًا بالجمرة الخبيثة مرتبطًا بتنظيم الدولة” (تم تصفحه بتاريخ 18 مايو/ أيار 2016):

http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2016/05/160504_kenya_police_is_anthrax

11 – التداعيات المحتملة للانشقاقات داخل حركة “شباب المجاهدين” الصومالية (تم تصفحه بتاريخ 18 مايو/ أيار 2016):

http://www.rcssmideast.org/Article/2865/%D8%A3%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8F%D8%AD%D8%AA%D9%85%D9%84-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84#.VzqbhxSqqkp

12 – دراسة استراتيجية تؤكد أن “داعش” يسعى إلى تأسيس علاقات قوية مع تنظيمات إرهابية أخرى بهدف تكوين تحالفات جهادية تدعم جهوده من أجل الانتشار في مناطق جديدة (تم تصفحه بتاريخ 18 مايو/ أيار 2016):

http://www.alarab.co.uk/m/?id=45790

Written by admin
×