د. عمر الفاروق شيخ عبدالعزيز: مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وصوماليلاند (التوقيت والمغزى، الدلالات والمآلات)
02 يناير 2024م
بدأت السلطات الإثيوبية منذ سنوات عديدة تدريب قوات بحرية تابعة للقوات العسكرية الإثيوبية رغم عدم وجود مياه بحرية في إثيوبيا.
وقد أعرب رئيس الوزراء الإثيوبي مرارا وتكرارا أن من حق إثيوبيا الحصول على منفذ بحري في البحر الأحمر بمنطقة القرن الأفريقي، وأنه من الواجب حصولها على هذا المنفذ إما بالسلم أو بالقوة مهما كلف ذلك.
وكانت إثيوبيا تهتم بموانئ الصومال وجيبوتي وإريتريا.
وقد حققت إثيوبيا أول مكسب بحصولها على منفذ بحري لها بعد أن وقعت مذكرة تفاهم مع السلطات في صوماليلاند بشمال الصومال برئاسة الرئيس موسي بيحي عبدي في 1 يناير 2024م بأديس أبابا.
إختيار التوقيت:
يعتبر المحللون أن التوقيت الذي تزامن مع هذا الإتفاق يمثل توقيتا إستراتيجيا ومناسبا بالنسبة لإثيوبيا من جانب، وتوقيتا صعبا بالنسبة للصومال.
ومادام أن صوماليلاند في شمال الصومال التي أعلنت إستقلالها عن الصومال من طرف واحد في عام 1991م قد وقعت مع جمهورية الصومال إطارا توافقيا في 28 ديسمبر 2023م، والذي كان ينص على بدء المفاوضات من أجل الوحدة وإعادة اللحمة الوطنية من جديد، يأتي بعد أيام قليلة فقط.
وفي 1 يناير 2024م تم توقيع مذكرة تفاهم، شراكة وتعاون بين أثيوبيا وصوماليلاند، ومن بين بنود الاتفاقية دعم إثيوبيا بحصول صوماليلاند على إعتراف إقليمي ودولي بغية الاستقلال عن الصومال.
ويأتي هذا التفاهم بعد إعلان مناطق أس أس سيي-خاتمو باستقلالها عن صوماليلاند بعد هزيمة وسحب قوات الأخيرة من هذه المنطقة، ورفع حظر الأسلحة من الصومال، ما يسهل تصدير الأسلحة الإثيوبية إلى صوماليلاند.
الأسباب الحقيقية والدلالات وراء التفاهم المشترك:
المغزى والأسباب والدواعي الرئيسية المؤدية إلى توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وصوماليلاند تتمثل فيما يلي:
1- بحث صوماليلاند الحثيث عن إعتراف إقليمي ودولي:
منذ عام 1991م كانت الأقاليم الشمالية من الصومال وهي ما يُعرف حاليا ب“صوماليلاند” تبحث عن إعتراف إقليمي ودولي، بيد أنها لم تحصل على أي إعتراف.
ولتحقيق هذا الهدف المنشود جاء قبول صوماليلاند بتوقيع مذكرة التفاهم المشتركة مع إثيوبيا.
2- بحث إثيوبيا عن منفذ بحري:
خلال العام المنصرم 2023م شدد رئيس وزراء إثيوبيا أبي احمد على ضرورة حصول بلاده في منفذ بحري بمنطقة القرن الإفريقي سِلماً كان أو حرباً، ولا يمكن أن تكون إثيوبيا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 120 مليون نسمة دولة حبيسة ولا تتمتع بمياه بحرية، مادام أن مياهها المنحدرة من سهولها وجبالها تغذي أنهار المنطقة.
وللحصول على هذه الأمنية، حققت إثيوبيا من توقيع مذكرة التفاهم التعاونية مع صوماليلاند على منفذ بحري بطول 20كم من مياه البحر الأحمر بين مينائي بربرا وزيلع على أن يكون عقدا يمتد ل50 سنة قابلة للتجديد.
3- بحث إثيوبيا عن موطئ قدم عسكري على البحر الأحمر:
ومن بين الأهداف التي كانت تخطط إثيوبيا لتحقيقها منذ فترة طويلة ابحصول على موطئ قدم عسكري لقواتها البحرية في منطقة القرن الإفريقي المتأخمة للحدود المائية خاصة مياه البحر الأحمر وهذا ما حققته اليوم.
4- بحث إثيوبيا عن نفوذ سياسي:
غضبت إثيوبيا من ظهور دور سياسي كبير آخر في المنطقة، وإن رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد الحاصل على جائزة نوبل للسلام عندما حقق السلام بين إريتريا وإثيوبيا لم ترق له تحقيق دولة أخرى في المنطقة دورا سياسيا بارزا، إذ يعتبر نفسه أنه الأقوى حاليا في المنطقة وبدونه لا يمكن تحقيق سلام ولا مصالحة للخلافات السياسية في المنطقة.
5- منع إثيوبيا لأي دور جيبوتي:
ترفض إثيوبيا الإنجاز الكبير الذي حققته جيبوتي بجمع الفرقاء الصوماليين ونعني هنا جمهورية الصومال الفيدرالية وصوماليلاند، وتوقيع إطار تفاهمي بين الجانبين والذي يمكن أن يؤدى إلى إعادة الوحدة الصومالية الشمالية الجنوبية من جديد، ويعرف هذا في لغة السياسة بالحسد السياسي.
6- رغبة إثيوبيا في عدم توحيد الصومال:
من الملفت للنظر وعند التمعن بما قامت به إثيوبيا من التسرع في توقيع هذه المذكرة والتعامل مع إدارة صومالية في إحدى أقاليمها أي غير الحكومة المركزية في مقديشو، فإن ذلك يوحي كما يراه الكثيرون أن إثيوبيا لا ترضى بأن تتعامل مع صومال موحد وقوي في المنطقة. وهذا ما أدى إلى إتخاذ هذه الخطوة التي قلبت الموازين وخلطت الأوراق في المنطقة.
7- تدخل دولي على الخط:
ومن ما لاشك فيه أن التدخل الدولي في الشأن الصومالي سيعود بصفة أقوى بكثير من السابق، حيث تشير المعلومات أن بريطانيا كان لها الدور الأكبر في الاجتماع بين وفدي الصومال وصوماليلاند بجيبوتي، وتوقيع إتفاقية التعاون والمفاوضات بين الجانبين، ناهيك عن وجود دور آخر للولايات المتحدة الأمريكية، إذ إن وجود القواعد العسكرية للدول الغربية له تأثير كبير في جيبوتي ومجريات قراراتها السياسية والدبلوماسية.
وبالمقابل فالصين ترغب بالحصول قواعد عسكرية ونفوذ اقتصادي في المنطقة، وهذا السبب من بين أهم الأسباب التي كانت وراء هذه الاتفاقية، وكأن إثيوبيا تمثل حرب وكالة اقتصادية بسبب دخول الصومال في معترك المنطقة.
التداعيات والمآلات المرتقبة:
التداعيات والمآلات المحتملة والمتوقعة من خطوة توقيع مذكرة التفاهم هذه بين إثيوبيا وصوماليلاند تتلخص فيما يلي:
1- رفض صومالي رسمي:
عقدت الحكومة الصومالية إجتماعا طارئا اليوم وأصدرت بالفعل بيانا رسميا رفضت فيه مذكرة التفاهم المشتركة والموقع بين إثيوبيا وصوماليلاند.
كما أعلن رئيس الوزراء الصومالي في صفحته الرسمية رفض حكومته لمذكرة التفاهم المبرمة بين إثيوبيا وصوماليلاند.
ومن جانب آخر فإن رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية الدكتور حسن شيخ محمود وجه كلمة أمام اعضاء البرلمان الصومالي بغرفتيه في مجلس الشيوخ ومجلس الشعب اليوم 02 يناير 2024م أكد فيها رفضه التام لمذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وصوماليلاند.
2- رفض صومالي شعبي:
في الساعات القليلة التي تلت ظهور خبر توقيع مذكرة التفاهم المشتركة بين إثيوبيا وصوماليلاند لاح في الأفق معارضة ورفض شديدين من قبل الشعب الصومالي حول ما جرى، معتبرين بأن ذلك خيانة وطنية قام بها رئيس صوماليلاند موسي بيحي، معتبرين بأن الأراضي والمياه الصومالية خط أحمر لا يمكن تسليم شبر واحد منها. ومن المتوقع أن تزداد هذه الردود الشعبية الغاضبة حيال ذلك.
3- إنهيار الإطار التفاهمي بين الصومال وصوماليلاند في جيبوتي:
التقارب الجديد بين الصومال وصوماليلاند، وتوقيع التفاهم المشترك بين الطرفين في جيبوتي أواخر ديسمبر الماضي سيكون على المحك والإختبار.
ومن المتوقع إنهيار هذا التفاهم في ظل وجود مذكرة تفاهم وتعاون مشترك بين صوماليلاند وبين إثيوبيا، وربما ينهار هذا التفاهم إذا لم تتراجع إثيوبيا عن مذكرة التفاهم الموقع مع صوماليلاند.
4- توتر العلاقات الجيبوتية الإثيوبية:
ومما لا شك فيه أن خطوة توقيع مذكرة التفاهم هذه قد يؤدي إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين جيبوتي وإثيوبيا، وربما يصل الأمر إلى قطع العلاقات الثنائية بين البلدين، لاعتبارات عدة أهمها أن إثيوبيا كانت ولا زالت تعتمد على موانئ جيبوتي في تصديرها وإستيرادها وكون إثيوبيا تسعى للحصول على موانئ بديلة بطرق ملتوية تمس سيادة الصومال ووحدة أراضيها سيكون أمرا غير مقبول بالنسبة لجيبوتي.
وتعتبر جيبوتي هذه الخطوة إهانة لها وبالتحديد بعد أيام فقط من استضافتها اجتماعا مهما بين الصومال وصوماليلاند، وتحقيقها إنجازا كبيرا للتقريب بين الطرفين.
5- تجدد المواجهات بين صوماليلاند و أس أس سي-خاتمو:
إن مذكرة التفاهم التعاونية مع إثيوبيا سيمنح صوماليلاند بعض الامتيازات في المجالات العسكرية والأمنية.
ومن الممكن أن تؤدي نتيجة هذه المذكرة اندلاع الحروب والمواجهات بين صوماليلاند ومناطق أس أس سي-خاتمو بعد حصول صوماليلاند على أسلحة ودخائر عسكرية من إثيوبيا، بالإضافة إلى حصول صوماليلاند على تدريبات عسكرية ولوجستية لقواتها الأمنية.
6- توتر العلاقات الصومالية الإثيوبية:
وصدور موقف رافض من الحكومة الصومالية وإستدعاء سفيرها من أديس أبابا يمكن أن يؤدي إلى مزيد من توتر في العلاقات بين البلدين، بل يمكن أن يؤدي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وإثيوبيا نهائيا، إذا لم تعتذر إثيوبيا من هذه الخطوة التي اعتبرها الصومال تدخلا سافرا في الشأن الداخلي الصومالي.
7- طمع إثيوبي جديد بمنافذ بحرية أخرى في المنطقة:
يعتقد المحللون أن إثيوبيا إذا تحققت لها هذه الخطوة ومن الصعب أن تتحقق لها، فإنها ستخطّط للحصول على منافذ بحرية أخري في المنطقة كموانئ في الصومال وأريتريا وغيرهما من الموانئ البحرية في المنطقة.
8- تنافس جديد في المنطقة:
التدخل الأجنبي الإقليمي والدولي كان على الخط في الصومال منذ انهيارها عام 1991م، إلا أنه كان يزداد مرة وينخفض مرة اخرى.
بيد أن التنافس الجديد المحتمل في منطقة القرن الإفريقي تنافس يكبر يوما بعد يوم، والهدف الأساسي إقتصادي، سياسي وأمني مزدوج.
فالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها من بعض الدول الأوروبية والصين بالإضافة إلى بعض الدول العربية والإفريقية في المنطقة كلها تهدف للحصول على موطئ قدم في المنطقة خاصة بالصومال لإنشاء قواعد عسكرية، ولتحقيق مكاسب اقتصادية من ثروات وخيرات البلاد من الثروات البحرية والحيوانية والزراعية والمعدنية والبترولية وغيرها التي تتمتع الصومال بها.
9- إندلاع مواجهات عسكرية محتملة في المنطقة:
هذه الصراعات وهذه التنافسات المحلية والإقليمية والدولية، ربما تؤدي إلى مواجهات عسكرية بين الأطراف المتنافسة وهو أمر لن يحمد عقباه.
وتمثل الصومال منطقة إستراتيجية في المنطقة بموقعها الاستراتيجي وتمتعها بثروات إقتصادية هائلة، وتنتهز بعض الدول وجهات لا نريد تسميتها بالإسم ضعف حكومتها أمنيا وسياسيا وإقتصاديا.