في 15 مايو من العام الماضي 2023م تم إنتخاب السيد/ حسن شيخ محمود رئيسا لجمهوريةالصومال الفيدرالية خلفاللرئيس السابق السيد/ محمد عبدالله فرماجو، حيث تأتيهذه للمرة الثانية بعد أن اصبح سابقا رئيس الجمهورية في الفترة ما بين 2012–2017م.
والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي أكتب فيها مقالا تقويميا تحليليا عن فترة من فترات حكومة من الحكومات السابقة في الصومال.
وفي هذه الإطلالة نحاول من خلالها تسليط الضوء على إنجازات واخفاقات عام من حكم النظام الحالي، كما سنركز على أهم الفرص الماثلة،والعقبات الحائلة أمام فترة النظام الحالي في البلد، بالإضافة إلى أهم المطالب الشعبية الملطلوبة من الحكومة الصومالية.
وفي إطلالتنا التقويمية السريعة هذه سنسلَط الضَوء على أهمَ المجالات التي أعلنت الحكومة الصومالية أنهاستركَز في مجالات ثلاثة تتمثل في المجالاتالأمنية والإقتصادية والسياسية.
أولا: الإنجازات المحققة
حققت الحكومة الصومالية إنجازا كبيرا في تحقيق أمن العاصمة في الشَهور الماضية خاصة في شهر رمضان الفضيل، حيث تمكَن الشعب؛ الصلاة بصلاة التراويح والتهجد في المساجد براحة واطمئنان وأمن وسلام.
جاء ذلك بعد تسليم أمن العاصمة لقوات جديدة مدرَبة ومجهَزة. وكلَما يتم تدريب القوَات الأمنية يشجع ذلك أخلاقياتهم وعقيدتهم العسكرية، كما يكسبهم بأساليب التعامل الجيد مع الشعب الذي ينتمون إليه.
أعلن الرئيس حسن شيخ محمود الحرب على حركة الشباب في أول وهلة من فترة رئاسته، وجاء ذلك إثر ثورة بعض القبائل الصومالية ضدَالممارسات البشعة من قبل حركة الشباب، خاصة فياقليم هيران بوسط الصومالالتابعة لولاية هيرشبيلي، وبعض مناطق جلمدغ.
وقد شاركت الحكومة الصَومالية دعم هذه القوَات المحلَية المسمَى بمليشيات ‘معويسلي‘.
وفي هذا الحرب كبَدت هذه المليشيات المدعومة بالقوات الصَومالية خسائر كبيرة لقوَات الحركة، ما أودى بانسحاب قوَات الحركة من كثير من المدن والقرىالتي تواجدوا فيها منذ زمن بعيد.
كما أنَ الدَولة الصَومالية خطَت خطوات جريئة نحو تجفيف منابع الاقتصاد للحركة، وإغلاق أرقام حساباتهم البنكية في البنوك الصوماليةالتي وجدت فيها بعض الأموال المنهوبة من قبل الشَعبباسم الزكاة أو الجباية أو ما شابه ذلك من مسمياتهم الغير الشرعية الاخرى.
في عام 1970م كان على الصومال ديون بلغت 70 مليون دولار فقط، غير أن الديون الملقاة على عاتق الصومال حالياتتجاوز أكثر من 4 بلايين دولار أمريكي.
وقد بدأت الصومال في العهد السابق للرئيس حسن شيخ محمود طلب إعفاء الديون عن الصومال، إلا أن المجتمع الدولي وضع شروطا يجب على الصومال إيفاؤها قبل الوصول إلى الإعفاء من بينها: دفع المرتبات والعلاوات عبر الحسابات البنكية، و وضع خطة لتقليل خطر الفقر، بالإضافة إلى زيادة الدخل القومي في الداخل، ومصادقة التشريعات اللازمة لإعفاء الديون وغيرها من الشروط.
وقد حققت الحكومة الصومالية السابقة بعض الشروط، كما حققت الحكومة الحالية بمصادقة بعض التشريعات الضرورية لعملية اجراء إعفاء الديون. إلا أن الطريق مازال طويلا.
أعلن الرئيس حسن شيخ محمود شعاره الإنتخابي أنه سيحقق شعارة البارز “صومال متصالح مع نفسهومتصالح مع العالم“. كما أن هذا الشعار أصبح الشعار الرسمي لحكومة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري.
وفي الستة الشهور الأولي من فترة العام الأول لعمر هذه الحكومة، فقد بذل الرئيس جهودا جبارة في تحقيق صومال متصالح، وجمع رؤساء الولايات الإقليمية مرارا وتكرار من أجل مناقشة القضايا الفيدرالية المشتركة على المستوى الولائي والإتحادي.
كما أن الرئيس خلال هذا العام قام بزيارة كثير من البلدان المجاورة والإقليمية والعربية والإسلامية والدولية لتحقيق الشطر الثاني من الشعار وهو صومال متصالح مع العالم.
زار الرئيس حسن شيخ محمود أريتريا بعد إنتخابه عدة مرات، وتسلَم بعض القوات الصومالية المدربة حيث أرجعهم إلى البلد الذين يمكن الاستفادة منهم لتحقيق الأمن وتحرير البلد من الحركات الإرهابية.
ثانيا: إخفاقات يجب تجاوزها
عند إعلان الحرب ضد حركة الشباب لم يكن مخططا، ولم يأت بعد وضع استراتيجية واضحة المعالم، وإنما تصادف الحرب الحرب الحكومي مع إطلاق الشرارة الأولى للثورة الشعبية ضد الحركة في إقليم هيران بقيادة مليشيات “معوسلي“. ولم يكن للدولة الصومالية مناص أو مفر من اللَحاق بهذا الركب الذي بدأ بالعشوائية وعدم التخطيط المسبق.
في بعض المناطق المحرَرة من يد حركة الشباب كان من الواجب إسكان مجموعات أمنية كافية تقوم بتحقيق الأمن والإستقرار في تلك المناطق المحررة،رغم إنشاء مراكز أمنية للقوات الصومالية في بعض المناطق المحررة.
وبعد تحرير أماكن كثيرة من المناطق لم تتمكن الحكومة الصومالية من توفير الخدمات الأسياسية للمواطنين المضطهدين في هذه المناطق كالخدمات التعليمية، والرعاية الصحية، والمياه الصالحة للشرب وغيرها من الخدمات الأساسية للعيش الكريم بالرغم من أننا جميعا نعرف قدرة الحكومة الصومالية التي تتعافى يوما بعد يوم.
وبالرغم من أن الحكومة الصومالية حاولت تحقيق توافق سياسي مع الولايات الفيدرالية، إلا أن ذلك لم يتحقيق كما هو مخطط، حيث أن ولاية بونتلاند أعلنت أنها أوقفت التعامل مع كافة المؤسسات الدولية الفيدرالية، وأن انتهاء فترة الولاية لمعظم رؤساء الولايات الفيدرالية على الأبواب مما ينبؤ قلق على هذه الولايات، بالإضافة إلى أن علاقة رئيس ولاية جوبالاند مع النظام في الدولة الإتحادية ليست على ما يرام، مادام أنه ورئيس الوزراء الصومالي الحالي ينحدران من قبيلة واحدة ما يجعل صعبا بقاؤه في سدة جوبالاند بوجود رئيس الوزراء. كل ذلك علامات تشير إلى أن التوافق السياسي الموجود حاليا توافق هشَ سوف لن يستمر إلى نهاية النصف الثاني من هذا العام الجاري 2023م
بالرغم من أن بعض الشروط التي أمام تحقيق إعفاء الديون عن الصومال قد تحققت في ظل الحكومة السابقة والحكومة الحالية التي حققت مصادقة بعض التشريعات في المجالس الحكومية والبرلمانية كشرط من شروط الإعفاء، بيد أن الطريق ما زال طويلا، وأن تصريحات رئيس الوزراء في 9 مايو 2023م من أن برنامج إعفاء الديون عن الصومال لن يتحقق أمر في غاية الخطورة، حيث القى اللوم على إدارة بونتلاند التي وصفها بأنها تعرقل في تحقيق ذلك، في حين أن نظام بونتلاند نفى ذلك نفيا قاطعا.
الرئيس الصومالي الحالي كان ضمن فريق المعارضة القوية التي عارضت نظام الحكومة السابقة، غير أنه عندما فاز أعربت معظم رجالات المعارضة أن الرئيس اقفل البابعنهم، ولم يف لهم كل الوعود التي كانت بينهم قبل الإنتخاب الرئاسي. وعلى الرئيس تدارك هذا الأمر قبل فوات الأوان حتي لا يخلقوا معارضة مبكرة من وقتها المعهود.
إن عملية اكمال الدستور عملية مرتبطة بالتوافقات السياسية بين الولايات الإقليمية والحكومة الإتحادية، وكما تحدثنا فإن العلاقات بين الطرفين تتكون بين علاقة جفاء، وعلاقات مجاملة، حيث أن الخوف والهلع والشك وعدم الثقة في معظم إدارات الولايات الإقليمية الفيدرالية، مما يؤخر بين الفينة والأخرى عملية أكمال الدستور الصومالي الرسمي كعقد إجتماعي تنتقل الصومال من دستور مؤقت إلى دستور رسمي يصوت له الشعب الصومالي.
ثالثا: الفرص المتاحة
فاز الرئيس حسن شيخ محمود الرئاسة في 15 ما يو2022م وذلك للمرة الثانية، حيث فاز إنتخابات الرئاسة الصومالية في عام 2012م.
وهذه تمكن الرئيس حسن شيخ خبرة كافية وممارسة سياسية لفهم خبايا الأمور السياسية والإقتصادية والأمنية والإجتماعية والتنمية في البلد، وهذه أهم فرصة من ضمن الفرص المتاحة أمام الرئيس وحكومته.
الرئيس حسن ورئيس الوزراء حمزة كانا ضمن المؤسسين بحزب السلام والتنمية، والذي فاز في الحكم عام 2012م، ومنذ ذاك الوقت كان الرجلان محسوبان في خانة سياسية واحدة، مما يعطي الفرصة في التفاهم الكامل بينهما، ويسهل لهما تحقيق الكثير من السياسات والبرامج الحكومية في توافق مستمر، مما يتطلب الاستفادة من هذه الفرصة السانحة لهما.
الشعب الصومالي استعدَ لتحقيق مكاسب الثورة الشعبية ضد حركة الشباب، وهذه فرصة كبيرة أمام الرئيس والحكومة الصومالية للاستفادة من الرغبة الشعبية الجرارة قبل أن تضمحلَ، واعطاء الشعب العوض الذي يستحقونه من توفير الخدمات الأساسية لهم، وتأييدهم بالقوات والمعدات الضرورية لتحقيق النصر في الحروب ضد الإرهاب.
رابعا: العقبات الماثلة
يتزامن معظم الولايات الإقليمية بانتخابات ولائية. فولايةبونتلاند، و ولاية جنوب غرب الصومال، و ولاية جوبالاند كلها ستبدأ إنتخاباتها التشريعية والرئاسية في أواخر هذا العام والعام المقيل ما يجعل الدولة الصومالية الإتحادية على المحك. وإذا لم تنجح الدولة الفيدرالية في تأثير هذه الإنتخابات فإن إكمال الدستور الرسمي، واجراء إنتخابات مباشرة، وتحقيق توافق سياسي بين أنظمة الدولة سيكون هباء منثورا، أما إذا فاز في هذه الإنتخابات من يؤمن افكار الحكومة الإتحادية فإن هذا سيسهل تحقيق البرامج الحكومية للدولة الصومالية.
تعاني الحكومة الصومالية من قلة في المعدات العسكرية، ولا يزال الحصار الأمنى على الدولة الصومالية. كما أن الدعم الأمني للدول الصديقة والشقيقة ليس كافيا حتي الأن مما يصعَب من التخلص السريع للحركة الإرهابية، وهذه من ضمن العقبات التي تتماثل أمام الحكومة الصومالية الحالية.
في أبريل 2023م لاح في الأفق بوجود موشن لسحب الثقة من رئيس الوزراء الصومالي واسقاط حكومته بعد عودة مجلس الشعب من عطلته الرسمية في 17 مايو 2023م
ويذكر أنه لوَح بعض النواب البرلمانين والولايات الإقليمية وبعض أقطاب المعارضة الصومالية هذا البرنامج، مما يشير إلى محاولة اسقاط حكومة بهذا العمر القليل، وهذا وإن حدث فإنه ربما يسبب إلى توقف عملية تحرير الإرهاب من الأراضي المتبقية، وتأخير اعمال وبرامج الحكومة الصومالية المخططة.
وهذه نعتبرها عقيبة من ضمن العقبات التي تواحه هذه الحكومة، وسوف يكون مستقبلها مرهون بمدى نجاحها في إخماد هذا الموشن السياسي، وإقناع العقول المدبرة والخيوطالمسيرة
وسنرى في الفترة المقبلة ما ستؤول إليه هذه الطحينة السياسية والطبخة المطبوخة.
17 مايو 2023م