منذ إنهيار الصومال ١٩٩١م أصبحت الصومال ساحة مفتوحة لممارسة التدخلات الأجنبية الاقليمية والدولية، وخير دليل لذلك انعقاد معظم المؤتمرات المصالحة السياسية السابقةالمتواترة والمتكررة في دول خارجية، والتي معظمها باءت بالفشل.
والحقيقة أن إثيوبيا منذ انحطاط الصومال كانت اكثر دولة مؤثرة ومتدخلة في الشأن الصومالي، بل يمكن القول أنها كانت المتحكمة الأولى في مجرى السياسية والأمن في الشأن الصومالي بوكالة رسمية وتفويض رسمي من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية المهتمة بالصومال.، ولا تزال إثيوبيا لها حضور عسكري في المناطق الحدودية مع الصومال
ولا شك أن العلاقات التاريخية بين الصومال ومصر علاقة قديمة منذ زمن الملكة حتشبسوت – كما تؤكد التاريخ- رغم تنديد البعض بأن مصر لم تؤدى دورها المنتظر للوقوف مع الصومال في أزمته السياسية وفقدان نظامه الدولي. ومع ذلك فإنه لا يمكن الإنكار بوجود دور مصري ملموس، خاصة في المجال التعليمي.
والجدير بالذكر أن الجميع يدرك مدى الصراع المتفاقم والحرب المائي المتأزم بين إثيوبيا ومصر الذي وصل إليه الآن في اخطر مراحله بسبب أزمة سد النهضة الإثيوبي؛ قد يؤدي إلى اندلاع حرب مباشر بين الجانبين، مادام أن مياه النيل لمصر والشعب المصري بمثابة شريان الحياة، وأن نقص مياه النيل بالنسبة لمصر يمثل مسألة إما حياة أو موت، أو ما يعرف “الصراع من أجل البقاء”.
ويمكن أن يتساءل القارئ: أين تكمن الأزمة الجديدة بين الصومال وإثيوبيا؟ وبذلك نستطيع أن نقول بإن العلاقات الإثيوبية الصومالية منذ انسحابها من الصومال عام ٢٠٠٩م – بعد المواجهات الدامية بين المحاكم الإسلامية والقوات الإثيوبية عام ٢٠٠٦م- كانت علاقة شبه مستقرة في عهد الحكومات الصومالية، “حكومة شيخ شريف شيخ احمد ٢٠٠٩-٢٠١٢م، وحكومة حسن شيخ محمود ٢٠١٢-٢٠١٧م، وحكومة محمد عبدالله فرماجو ٢٠١٧-٢٠٢٢م”.
غير أن العلاقة تشهد اليوم اسوأ مراحلها بعد أن وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مشتركة مع صوماليلاند في ١ يناير ٢٠٢٤م، الذي يمنح إثيوبيا حق وصول المياه البحرية الصومالية، وإنشاء قاعة اثيوبية عسكرية في داخل الأراضي الصومالية وبالتحديد منقطة “زيلع و لكهيي”، وهذا ما أثار حفيظة الحكومة الصومالية الفيدرالية، والشعب الصومالي.
وبالرغم من لقاءات واجتماعات متتالية لحلحلة الأزمة بين الصومال وإثيوبيا في كل من جيبوتي وأديس أبابا وأوغندا وأخيرا في تركيا، بيد أنها باءت جميعها بالفشل بعد أن رفضت إثيوبيا التنازل عن مذكرة التفاهم الموقعة مع صوماليلاند، وإصرار الصومال بعدم توقيع أي إتفاق مع إثيوبيا ما لم تتنازل إثيوبيا أولا عن هذه المذكرة الغير الشرعية، وتعتذر من إتخاذها هذه الخطوة التي لا تتوافق مع القوانين الدولية والعهود الإقليمية.
والجدير بالذكر أن السلطات التركية أعلنت أنها ستعقد جولة مفاوضات ثالثة بين الصومال وإثيوبيا في سبتمبر المقبل لإنهاء الأزمة بين الدولتين، ولا يعرف ما إذا سيتم تقريب وجهات الطرفين في الاجتماع المرتقب
ومن هنا تنتهز جمهورية مصر العربية الفرصة السانحة، ولم ترد أن تفوت الفرصة المتاحة لها، حيث استضافت رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية السيد/ حسن شيخ محمود و وزير دفاعه، وتم توقيع بروتوكول عسكري بين الصومال وإثيوبيا والذي مفاده أن تتدخل مصر الصومال عسكريا، وتنضم ضمن قوات الإتحاد الأفريقي للسلام في الصومال.
وقد بدأت السلطات المصرية بنقل قوات ومعدات عسكرية إلى العاصمة الصومالية مقديشو في الشهر الجارى، هذه القوات التي تصل ٣،٨٠٠ جندي عسكري الذي سينضم للقوات الأفريقية لحفظ السلام – كما هو معلن- ومن المقرر إنشاء قواعد عسكرية لهم في مناطق من ولايات هيرشبيلي وجنوب غرب الصومال وجلمدغ، وهذه مناطق لها حدود مع إثيوبيا وبعض هذه القواعد ستكون متاخمة مع الحدود الإثيوبية، بل ويوجد في بعض هذه المناطق قوات إثيوبية كانت ضمن قوات الإتحاد الأفريقي للسلام في الصومال، مما ينبؤ خطر الاصطدام العسكري المصري الإثيوبي في عمق الأراضي الصومالية.
والأسئلة التي تطرح نفسها: هل بات الصومال ساحة لحرب وكالة بين مصر وإثيوبيا؟ وهل اصبح الشعب الصومالي بين فوهة السلاح المصري الإثيوبي؟ وهل ملف الصراح المائي المصري الإثيوبي السياسي والأمني بات يمارس من داخل الصومال؟، وهل الصومال أصحبت حقل تجارب القوى الاقليمية في المنطقة؟ وساحة لعرض العضلات وتنفيذ مناورات سياسية وأمنية بين المتنازعين في مياه النيل؟ وهل كان بالإمكان للحكومة الصومالية أن تنأى عن هذه الأزمة التي لا تعني دولتها ولا شعبها؟
وإجابة لهذه الأسئلة الواقعية فإن الصومال رمت نفسها وادخلت شعبها ومستقبل بلادها في أزمة مصدرة سوف لن يحمد عقباها، وأن إثيوبيا ومصر ترعى مصالحها أولا قبل مصلحة الصومال، بل وقبل أي مصلحة أخرى. والأبلغ من ذلك فإن القوات العسكرية المصرية ستتخلى الصومال حالما تتوافق مع إثيوبيا في معضلة مياه النيل.
وختاما فإن بعض المحللين يعتقدون أن مصر إذا تريد أن تساعد الصومال،، فإنه كان من البديهي والأولى أن تساعد فلسطين العربية وشعب فلسطين العربي واخوانهم المضطهدين في قطاع غزة، الذين يحتاجون إلى الفتح الدائم لمعبر رفح الواقع في الحدود مع مصر، والمساندة الحقيقية لتوفير كل ما يحتاج هذا الشعب المسكين.
وكحل لهذه المواجهة الحقيقية والمحتومة بين القوات الأجنبية (المصرية الإثيوبية)، فإن على الدولة الصومالية بناء قواتها العسكرية، والمطالبة من كل دولة أو أي جهة مساعدة قواتها بالتدريب والعدة والعتاد بدلا من السماح لتدخل عسكري في داخل أراضيها الذي يمكن أن يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع قوات اجنبية أخرى في المنطقة؛ ما يؤثر سلبا على حياة المواطنين واستقرار أمن المنطقة بأسرها.
وعلى الحكومة الصومالية تطوير استراتيجية قومية أمنية عسكرية لبناء جيش صومالي موحد مدرب ومسلح وقوي، والاستغناء من أي قوات أجنبية كانت مصرية أو إثيوبية أو أي قوات أجنبية أخرى في الصومال.
هل بات الصومال ساحة مفتوحة لحرب إقليمي بين إثيوبيا ومصر؟
د. عمر فاروق شيخ عبدالعزيز
كاتب في الشأن الصومالي ومنطقة القرن الأفريقي
٣١ أغسطس ٢٠٢٤م