مارس 19, 2025

إدريس آيات: ماذا تعني دعوة جنوب إفريقيا ضد الكيان الإسرائيلي للإبادة الجماعية

نقوم بتلخيص وتحليل ملف جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية عن شكوى الإبادة الجماعية من قبل إسرائيل في سكان غزة.

لإكتساب فهم شامل للقضية ودور محكمة العدل الدولية (CIJ) وأطراف أخرى ذات صلة، أوصي بالرجوع للوثائق الأصلية للدعوى.

في هذا المقال، سنعرض تفاصيل الملف الخاص بجنوب إفريقيا ومذكرتها.

تتميز هذه القضية بأبعاد رمزية إستثنائية!

أولاً، تأتي أهميتها من كون جنوب إفريقيا، دولة ديمقراطية في إفريقيا تجاوزت تاريخ الإستعمار والتمييز العنصري، هي من أطلقت هذه الشكوى للدفاع عن الفلسطينيين.

‏الرمزية لإسرائيل: تكمن رمزية -أيضًا- بالنسبة لإسرائيل، حيث يواجه كيان عانى من محرقة، إتهامات بالإبادة الجماعية أمام محكمة دولية ضد الحكومة الإسرائيلية، وهذه الادعاءات خطيرة إن أُدينت بها.

وعليه سيصدر خمسة عشر قاضياً قرارهم في الدعوى استنادًا إلى القانون الدولي.

من ناحية أخرى، تتضمن دعوى جنوب إفريقيا مطلبين متباينين.

أولًا، تسعى للحصول على إعتراف بأن إسرائيل تخرق إلتزاماتها وفقًا لاتفاقية عام ١٩٤٨م لمنع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها.

لكن الفصل في هذه النقطة الجوهرية قد يستغرق وقتًا طويلاً، لحاجته لتفاصيل تتعلق بالنية المسبقة.

‏في إنتظار حكم المحكمة حول القضية الأساسية المُشار إليها أعلاه، تسعى جنوب إفريقيا لأن تقرر محكمة العدل الدولية تدابير إحترازية فورية لوقف الإبادة الجماعية في غزة فورًا.

وهو ما يشكل جوهر جلسة الإستماع ليوم الخميس ١١ يناير.

عن وثيقة الدعوى.

جنوب إفريقيا، في مذكرتها الممتدة على ٨٤ صفحة، تثبت أن إسرائيل تقوم بأعمال تعد إبادة جماعية، بقصد الإبادة وبنية مسبقة.

وبعد قرأتي لها كلها تتمتع المذكرة بمتانة واضحة سواء من الناحية الواقعية أو القانونية.

فهذه الدعوى ليست مجرد “خطوة سياسية” كما يدّعي بعض المتقاعسين.

علمًا أنّ المحكمة ستصدر قرارها حول هذه المسألة الطارئة بالذات خلال أسابيع قليلة. وهو ما قد يجعل حدًا للمجازر.

‏الخلفية والسياق.

تربط جنوب إفريقيا بين الأعمال المزعومة للإبادة الجماعية في غزة وسلسلة أطول من الانتهاكات وتجاوزات بحقوق الفلسطينيين، التي إستمرت لمدة تزيد عن ٧٥ عامًا، وتتضمن الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وممارسة الفصل العنصري.

كما تشير جنوب إفريقيا إلى العديد من الجرائم الدولية المرتكبة ضمن هذا الإطار، مستشهدةً بتقارير متعددة صادرة عن لجان تحقيق الأمم المتحدة، التي ظلت توصياتها دون تطبيق عملي (الفقرات ٢١-٣٩).

‏الجانب المادي للجريمة.

لإدانة إسرائيل بحاجة إلى إثبات مادي (الأفعال) ومعنوي (نية مسبقة للإبادة)

تشير جنوب إفريقيا في شكواها إلى أن إسرائيل ترتكب أربعة من الأفعال الخمسة التي يمكن أن تُعتبر إبادة جماعية:

1. القتل: تم الإبلاغ عن مقتل أكثر من 22,000 شخص، مع توضيح أن 70% منهم نساء وأطفال. وعلى الرغم من أن كل حالة وفاة مدنية لا تُصنف تلقائيًا كـ “قتل” في إطار الإبادة الجماعية، إلا أن جزءًا من هذه الوفيات يُعتبر بلا شك ضمن هذه الفئة (الفقرات 43، 45-).

2. الإضرار الجسيم بالسلامة الجسدية أو العقلية… (الفقرات 51-54):
– تم إصابة أكثر من 55,000 مدني فلسطيني.
– نسبة كبيرة من المدنيين، وخصوصًا الأطفال، أصبحوا معاقين.
– جميعهم تعرضوا لصدمات نفسية طويلة الأمد.

3. فرض ظروف يمكن أن تؤدي إلى التدمير الجسدي:
– تشير المذكرة الجنوب أفريقية إلى حرمان المياه والغذاء والأدوية.
– تدمير البنية التحتية المدنية بشكل منهجي، مثل السكن، المدارس، المستشفيات (الفقرات 88-94).

4. التدابير التي تهدف إلى عرقلة الولادات داخل الجماعة:
– جنوب إفريقيا تُبرز أن النساء الحوامل تأثرن بشكل كبير بحرمان الرعاية الطبية والنظافة.
– هذا يمكن إعتباره عرقلة للولادة وبالتالي دليل على نية إبادة جماعية (الفقرات 95-100).

‏العنصر المعنوي للجريمة**: أو تأكيد نية الإبادة الجماعية…

– تُشير جنوب إفريقيا إلى النية الإبادية لدى إسرائيل لتدمير، كليًا أو جزئيًا، الفلسطينيين في غزة.
– يتم الإستشهاد بخطابات المسؤولين الإسرائيليين التي تعكس هذه النية (الفقرات 101-107).
– تذكر جنوب إفريقيا تحذيرات من الأمم المتحدة حول الطابع الإبادي، أو المحتمل الإبادي، للعمليات الإسرائيلية في غزة (الفقرة 108).
– تطلب جنوب إفريقيا من المحكمة التأكيد على أن إسرائيل خرقت إتفاقية عام 1948م حول الإبادة الجماعية، مطالبة بإيقاف أفعالها الإبادية، ملاحقة الجناة قضائيًا، وتقديم ضمانات بعدم التكرار (الفقرات 110-111).

‏المطالبة بتدابير وقائية:

– جنوب إفريقيا تطلب من المحكمة إصدار أمر بوقف الهجمات العسكرية الإسرائيلية التي تعتبرها إبادة جماعية، مشددة على الإستعجال وخطر الضرر اللا يمكن إصلاحه (الفقرات 6، 112-128).
– تستند إلى سوابق المحكمة بأنه يكفي أن تكون الإبادة الجماعية أو خطر وقوعها “معقولًا” لفرض مثل هذه التدابير، دون الحاجة لحكم نهائي في هذه المرحلة (الفقرات 129-146).

– ستُطور جنوب إفريقيا هذه الحجج شفهيًا في جلسة إستماع يوم الخميس، مع إمكانية إضافة عناصر جديدة.
– تُشير إلى أن الإجراءات الحالية لم تمنع إسرائيل من مواصلة إرتكاب ما تعتبره جنوب إفريقيا جرائم، ولم تردع المسؤولين الإسرائيليين عن إلقاء خطابات تحريضية.

‏وأخيرا، فريق محامي جنوب إفريقيا:

تمثيل جنوب إفريقيا في الجلسة يتسم بالكفاءة العالية، حيث يشمل المحامين الجنوب أفريقيين المشهورين مثل جون دوجارد، أديلا حسيم، تمبيكا نجكوكايتوبي وماكس دو بليسيس، بالإضافة إلى المحامي البريطاني فون لوي والمحامية الأيرلندية بلين ني غرالاي. هذا التنوع في الفريق يجمع بين خبرات متعددة الجنسيات والتخصصات، مما يعزز من قوتهم القانونية.

-فريق إسرائيل:
من ناحية أخرى، سيمثل إسرائيل المحامي البريطاني مالكولم شو، الذي يتمتع بسمعة قانونية رفيعة ويأتي كبديل للمحامي الأمريكي المرتبط بملفات جيفري ابستاين، في خطوة قد تكون محاولة لتجنب أي جدل أو تأثير سلبي على الفريق الإسرائيلي.

على جميع ما سبق، يُلاحظ قوة ملف جنوب إفريقيا وأنه عمل إنساني يستحق التقدير والدعم، وهو أيضًا قد يشكّل دعامة لوقف المجازر ضد الأبرياء في فلسطين… شكرًا جنوب أفريقيا.

••ماذا تعني دعوة جنوب إفريقيا ضد الكيان الإسرائيلي للإبادة الجماعية.

إدريس آيات- جامعة الكويت

ثريد بسيط: من وجهة نظر قانونية/سياسية

Written by admin
×