في هذه الإطلالة يقدم مركز اليقين للدراسات والاستشارات المتخصص في شؤون القرن الأفريقي والقرن العربي، استشارة استشرافية عميقة للخطوات الاستراتيجية التي تمكن الصومال النجاح للتغلب عن الرغبة الإثيوبية وطمعها في أراضي وبحار الصومال، والنجاح عن أي جهة أخرى في المستقبل تطمع مكتسبات وخيرات وثروات البلاد التي تمس سيادة ووحدة أراضيه. وأهمها:
1- استمرارية الضغط الدبلوماسي:
نجحت الدولة الصومالية حتى الآن تحركاتها الدبلوماسية ضد مذكرة التفاهم المشترك بين إثيوبيا وصوماليلاند، والذي من خلاله طمعت إثيوبيا منفذا بحريا وقاعدة عسكرية في شمال الصومال.
هذا الضغط السياسي والدبلوماسي يجب أن يستمر ويثمر من اجل إقناع الدول الاقليمية والعالمية من توقف إثيوبيا من هذه الخطوة المخالفة للقانون والأعراف الدولية.
2-نقل مقر السفارة الإثيوبية من القصر الرئاسي الصومالي:
منذ إعادة فتح السفارة الإثيوبية في مقديشو عاصمة الصومال، فإن مقر السفارة الإثيوبية في داخل القصر الرئاسي، وهي السفارة الوحيدة التي تتمركز حاليا في القصر الرئاسي، وهذا يهدد الأمن القومي الصومالي. وعلى السلطات الصومالية نقل مقر السفارة الإثيوبية خارج نطاق القصر الرئاسي.
3- قطع العلاقات الدبلوماسية رسميا مع إثيوبيا حتي تتراجع من التدخل:
بعد توقيع إثيوبيا مذكرة التفاهم مع صوماليلاند الذي يقضي حصول إثيوبيا منفذا بحريا وقاعدة عسكرية في شمال الصومال، لم تمارس الصومال حقها لطرد السفير الإثيوبي من البلد، وما فعلته كان فقط استدعاء سفيرها لدى أديس أبابا للتشاور، وقد استقرّ السفير الإثيوبي في مقديشو لفترة طويلة بعد توقيع المذكرة إلى أن رجع إلى بلاده طوعا وليس كرها. وهذه الخطوة التي استدعت الصومال سفيرها غير كاف كما يعتبره الشعب الصومالي.
لذلك فعلى الحكومة الصومالية إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع إثيوبيا إلى أن تتراجع من غيها وطمعها وتدخلها السافر في الشأن الصومالي.
4- إيقاف القات المستورد من إثيوبيا:
يمثل القات من أخطر الآفات التي أصابت الشعب الصومالي، وتصدر الدول المجاورة القات إلى الصومال، ومن بينهم إثيوبيا التي تجني منها الملايين الدولات.
لذلك فالصومال تستطيع أن تعلن أنها أوقفت استيراد القات من إثيوبيا التي ستؤثر الاقتصاد الإثيوبي.
5- إيقاف الطيران الإثيوبي حتي تفيق إثيوبيا من غفلتها:
يمثل الطيران الإثيوبي شريان الاقتصاد الإثيوبي، ويعتبر الطيران الإثيوبي أهم شركة الطيران في أفريقيا من حيث النجاح والكمية والمساحة التي تستوعب.
وتنتظم شركة الطيران الإثيوبي يوميا في العاصمة مقديشو، كما تنتظم في مدن اخرى من بينها هرجيسا.
لذلك فإن الحكومة الصومالية إذا قررت إيقاف الطيران الإثيوبي في العاصمة والمدن الصومالية، فإنها ستصبح من أهم الأوراق الضاغطة على إثيوبيا، ولا بد أن تمارس الصومال هذه الورقة التي بأيديها.
6- سحب القوات الإثيوبية من البلد:
يوجد في مناطق من جنوب الصومال قوات إثيوبية ضمن القوات الأفريقية المتواجدة لحفظ السلام في الصومال.
ومن الأوراق الضاغطة التي يمكن أن تمارس الصومال طلب سحب القوات الإثيوبية من الأراضي الصومالية، وتقديم هذا الطلب إلى الإتحاد الأفريقي لتبديليها بقوات أفريقية غير القوات الإثيوبية.
7- التعبئة الشعبية وغرس روح الوطنية في نفوسهم:
الشعب الصومالي شعب عنده روح وطنية، بالرغم من أن القبلية أفسدت كثيرا من الوطنية، وخلقت جوا من التقاتل والتناحر والتعصب والميل إلى الفئوية.
الروح الوطنية لدى الأمة تحتاج إلى احيائها وإيقاظها، وإعادة غرسها في نفوس المواطنين ليدافعوا الوطن بالأنفس والأموال والأقلام، وكل غال ونفيس لديهم.
8- توحيد الرؤية والموقف بين الحكومة الإتحادية والولايات الاقليمية الصومالية:
بعد توقيع إثيوبيا مذكرة التفاهم مع صوماليلاند التي تدخلت شؤون الأراضي الصومالية لم تبدئ الولايات الاقليمية العضو في الحكومة الفيدرالية ماكان مطلوبا من الدفاع عن وحدة وسيادة الأراضي الصومالية، ولم تشارك مظاهرات شعبية في أقاليمها، ولم تصرح تصريحات إعلامية تظهر أنهم يعارضون هذا التدخل الإثيوبي السافر. وهذا وإن دل على شيئ فإنما يدل على مدى تحقيق الولايات الاقليمية فقط مصالحها السياسية الخاصة، وأن جميعم يخافون من قوة السلطة الاتحادية في الحكومة الصومالية.
لذلك على رئيس الجمهورية والحكومة الصومالية توحيد الصف السياسي على المستويين الفيدرالي والولائي ليتمكن المواجهة الداخلية الحقيقية ضد التدخل الإثيوبي.
9- فتح السفارة الهندية لدى الصومال في مقديشو:
هناك الكثير من المرضي الصوماليين يحبذون السفر إلى الهند للعلاج، وفي السنوات الماضية كان الصوماليون يحصلون التأشيرة الصحية من السفارة الهندية في نيروبي بكينيا، إلا أن الفترات الأخيرة من العام 2022-2023م تم تحويل حصول التأشيرات من نيروبي إلى السفارة الهندية في أديس أبابا.
ومن الأفضل أن تطلب الحكومة الصومالية من الحكومة الهندية فتح قنصلية هندية في العاصمة مقديشو لتسهيل حصول التأشيرات للمواطنين من بلدهم، والاستغناء من السفر إلى أديس ابابا.
10- اعتراف اقليم (أودل) كنظام مستقل عن صوماليلاند:
تشهد المناطق في صوماليلاند منذ سنتين خلافات سياسية تتمركز في اجراء الإنتخابات الرئاسية، وقد كان من المفترض اجراء الانتخابات في نوفمبر 2023م، إلا أن رئيسها موسي بيجي عبدي رفض اجراء الانتخابات في الوقت المحدد، مما أدى إلى خلافات عميقة بين النظام والأحزاب المعارضة من جانب، وبين النظام والشعب في أقاليم أرض الصومال من جانب آخر.
ومن بين الأقاليم التي ثارت أمام النظام بسبب عدم حصولها الحقوق السياسية في النظام، إقليم أودل، ومما زاد الطين بلة أن بحر منطقة (لغهيي) بزيلع المحددة في مذكرة التفاهم الموقع بين صوماليلاند وإثيوبيا تابع لهذا الإقليم.
لذلك فعلى الحكومة الصومالية اعتراف هذا الإقليم كنظام إداري مستقل عن صوماليلاند للضغط علي هذا النظام، وحصول منطقة استراتيجية آمنة لدفاع البحار من إثيوبيا.
11- توحيد ولايتي (سول وسناغ) واعترافها كولاية فيدرالية:
أعلنت الحكومة الصومالية اعترافها نظام إدارة أس أس سي في 2023م كنظام إداري مستقل عن صوماليلاند يتبع تحت إدارة الحكومة الفيدرالية.
وبعد إعلان صوماليلاند أنها تبحث الاعتراف من إثيوبيا مقابل منحها منفذا بحريا وقاعدة عسكرية في أراضيها، على الحكومة الصومالية تشكيل ولاية فيدرالية موحدة لأقاليم (سول وسناغ وعين SSC)، ليصبح دور صواليلاند ضعيفا، وإرغامها للعودة لحظيرة الوحدة الصومالية.
12- تأييد حزب معارض في الانتخابات المقبلة في صوماليلاند:
من المتوقع اجراء الانتخابات الرئاسية في صوماليلاند في نوفمبر من هذا العام 2024م إذا لم يعرقل ذلك الرئيس الحالي الذي يخاف من نتيجة الانتخاب.
لذلك على الحكومة الصومالية الفيدرالية تأييد حزب من الأحزاب السياسية المعارضة في صوماليلاند، ليتمكن بالفوز في هذه الإنتخابات مقابل المساومة معه في العودة للوحدة الصومالية.
13- الاستفادة من تحالف مصري مع عدم تصدير ملف سد النهضة لمياه النيل في صراع القرن للتجنب من الاصطدام:
هناك صراع طويل بين إثيوبيا وجمهورية مصر العربية في مياه النيل، ويمثل النيل بالنسبة لمصر شريان الحياة. هذا الصراع لا يزال اليوم في أشده بين الجانبين في ظل توقف المفاوضات المصرية الإثيوبية بخصوص النيل، وتزايد ملئ إثيوبيا سد النهضة لإنهائه. وربما يؤدي هذا التوتر إلى اصطدام هاتين الدولتين عسكريا.
وبظهور التوتر السياسي والدبلوماسي بين الصومال وإثيوبيا بعد توقيع إثيوبيا مع صوماليلاند بشمال الصومال مذكرة التفاهم البحري والعسكري، برز للعلن رغبة مصر حصول موقع عسكري من الأراضي والبحار الصومالية لتتمكن من الضغط على إثيوبيا من منطقة قريبة لحدودها الجغرافية.
ومن المحتمل توقيع رئيس جمهورية الصومالية شراكة استراتيجية مع جمهورية مصر لمنحها قاعدة عسكرية أو ربما قواعد عسكرية في جنوب الصومال وشمالها، مما يؤدي إلى صراعات دموية ومواجهات عسكرية مصرية إثيوبية في داخل الأراضي الصومالية.
لذلك يجب على الصومال الاستفادة من القوة العسكرية المصرية للضغط على مطامع إثيوبيا مع الحذر من وقوع اصطدام الدولتين في الصومال بسبب خلافاتهما بسد النهضة بمياه النيل.
14- الاستفادة من تحالف استراتيجي مع أريتريا مع عدم تصدير الاصطدام الأريتري الإثيوبي إلى الصومال لتجنب الاحتدام:
استقلت أريتريا من إثيوبيا في أبريل 1993م بعد قتال مرير وثورات أرترية ضد الاستعمار الإثيوبي. وباستقلال أريتريا ضيعت إثيوبيا المواني البحرية في البحر الأحمر، والتي جعلت إثيوبيا دولة حبيسة.
وفي عام 2018م، وبعد انتخاب أبي احمد رئسا لوزراء إثيوبيا، قرر التصالح مع أسياس أورقي رئيس أريتريا وإعلان إنهاء المنطقة المتنازعة عليها بين الجانبين -خاصة في منطقة بادما المتنازع بينهما- بتنازل إثيوبيا عنها، والتي حصل أبي احمد على إثرها جائزة نوبل للسلام.
وبالرغم من إنهاء الصراع التاريخيّ بين البلدين، بيد أن التنافس بين الجانبين لا يزال قائما، وأن تصريحات أبي احمد في الشهور الماضية بحق إثيوبيا منافذ بحرية إما في أريتريا أو الصومال وجيبوتي أغضب أ ريتريا منها كثيرا، وليست العلاقات بينهما جيدة، مما أدى إلى تصريح أريتريا أنها تؤيد استقلال ووحدة الصومال بعد توقيع إثيوبيا مذكرة التفاهم المشترك مع صوماليلاند في يناير 2024م.
ومما تجدر الإشارة إلى أن الزيارة الأخيرة للرئيس الصومالي لأريتريا في يناير الجاري، يلوح في الأفق رغبة الجانبين لتشكيل تحالف عسكري استراتيجي ضد التمدد الإثيوبي في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
وفي هذه السانحة نود أن ننوه الي أهمية التحالف الاستراتيجي الصومالي مع أريتريا في المرحلة السياسية والدبلوماسية والأمنية الساخنة في المنطقة، مع الحذر من تصدير التنافس والصراع الإثيوبي الأريتري إلى الصومال التي تنتاب لمشاكلها الداخلية.
15- الإتفاق مع الصين وتركيا لتحقيق شراكة أمنية وعسكرية وتنموية واقتصادية حقيقية شاملة:
ومن ضمن الاستشارات التي يقدمها مركز اليقين إلى أهمية الإتفاق المشترك مع دولتين مهمتين في العالم، وهما جمهورية الصين الشعبية. وجمهورية تركيا الشقيقة، ومنحهم قواعد عسكرية في جنوب وشمال الصومال.
هاتين الدولتين من بين أقوى دول العالم عسكريا واستراتيجيا، وأن مصالحهم القومية لا تؤثر المصالح القومية الصومالية.
وبالفعل فإن الصين لها وجود ملحوظ في المنطقة، خاصة في جيبوتي وإثيوبيا وكينيا. وأن مصالح لها في الصومال لا يمكن أن تعرقل إثيوبيا من باب المجاملات السياسية والمصالح المتبادلة. لذلك فعلي الصومال خلق شراكة حقيقة مع الصين.
كذلك فإن دولة تركيا لها علاقات تاريخية مع الصومال، كما أن لها موطئ قدم متجددة في الصومال منذ 2011م في جميع المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والصحية والتعليمية والإنسانية، ولديها اكبر سفارة تركية في العالم، كما أنها تدير قاعدة (ترك سوم) العسكرية التدريبية في العاصمة، بالإضافة إلى إدارتها مطار وميناء العاصمة اللذين يمثلان اكبر مصدرين للدخل الاقتصادي في الصومال.
لذلك فإن الإتفاق مع تركيا إتفاق شراكة كاملة وحقيقية في المجال الأمني والعسكري والتنموي والاقتصادي، سيؤدي إلى إيقاف إثيوبيا عند حدها، ولا يمكن لإثيوبيا أن تتعدى المصالح التركية في الصومال، مادام أن تركيا لها مصالح ومشاريع تنموية هائلة في إثيوبيا وكثير من البلدان الأفريقية.
16- الحذر من الاصطدام المباشر مع مصالح أمريكا وأوروبا في الصومال والقرن الأفريقي:
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أقوى دولة في العالم، ولا ترضى دائما ما يضر أمنها القومي ومصالحها السياسية والاقتصادية، وأن شعارها المعروف يمتثل في أن مصالح أمريكيا أولا، وفوق كل المصالح.
ومن الناحية الأخرى فإن الولايات المتحدة تؤمن بأن الصين اكبر منافس اقتصادي لها في العالم، وأن التوغل الصيني وسيطرتها في السوق الأفريقي يضر مصالح امريكياً الاقتصادية والتجارية. لذلك سوف لن ترضى أمريكا بالتعامل مع الصين.
وكذلك فإن الولايات المتحدة تعتقد أن تركيا هي أقوى دولة في الشرق الأوسط كونها عضو في تحالف الناتو العسكري الذي يضم أقوى جيوش العالم ومن بينهم امريكا.
ومادام أن تركيا لا توافق دائما السياسيات الخارجية الأمريكية في العالم، فإن امريكا لديها الخوف من تصاعد قوة تركية ناجحة اقتصاديا في البحر الأحمر، ومنطقة القرن الاستراتيجي.
لذلك فالتعامل الصومالي مع الصين وتركيا يجب أن يصاحبه الحيطة والحذر، وعدم إثارة حفيظة امريكا والدول الأوروبية التي تهتم الصومال خيراتها الطبيعية (بترولها ومعادنها)، وثرواتها الزراعية والحيوانية والسمكية.
17- بناء وتقوية وتجهيز القوات الصومالية، خاصة القوات البحرية:
كل دولة ناجحة لا بد أن يكون لديها قوة عسكرية قوية تدافع عن حدودها الجغرافية وأمنها القومي.
لذلك يجب على الحكومة الصومالية بناء جيش قوي، وقوات أمنية مدربة تدريبا عاليا، ومسلحة تسليحا كاملا بالعدة والعتاد، والدين لديهم العقيدة العسكرية والوطنية.
18- اختيار المتخصصين والخبراء في المناصب المهمة:
إن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب للتجاوز عن الاختيارات المبنية على المحاصصة القبلية 4.5 في تمثيل الصومال لدى العالم،، وفي القضايا المصيرية والقومية التي تمس كرامة وشرف وسيادة ووحدة الوطن الصومالي أمر في غاية الأهمية، خاصة في ظل المستجدات الأمنية والتدخلات الأجنبية في الصومال
19- وضع خطة استراتيجية لاستثمار الثروات الطبيعية:
لا يمكن حفظ خيرات البلاد وثرواتها ومياهها إلا بالاستثمار والاستفادة من خيراتها.
لذلك فعلى الحكومة الصومالية وضع خطط قومية استراتيجية تنموية استثمارية شاملة في الخيرات البترولية والمعدنية، والثروات السمكية والحيوانية والزراعية وغيرها من الثروات لتسهيل استثمارها مع الأشقاء والأصدقاء، ولتمكين المواطنين بحفاظها وصونها والاستفادة منها.
20- تشجيع اجراء البحوث والدراسات الاستراتيجية:
والحقيقة أن تشجيع اجراء الابحاث العلمية المعمقة، والاستشارات الاستشرافية، والاستراتيجيات المدروسة في كافة القضايا السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والإنتاجية والتنموية في الصومال، من أهم الملفات التي تكون الصومال في أمسّ الحاجة إليها في الوقت الراهن وفي المستقبل المنظور
وختاما: فإن هذه هي أهم الاستشارات الاستشرافية التي يقدمها مركز اليقين للدراسات والاستشارات لرئيس الجمهورية، ومجلسي البرلمان، والحكومة الصومالية والمؤسسات الرسمية للدولة الصومالية والشبع الصومالي للدفاع عن الوطن ومكتسباته الوطنية.