وقَّعت الحكومة الصومالية، والولايات المتحدة، في 15 فبراير الماضي، اتفاقًا عسكريًّا، يهدف إلى زيادة الدعم العسكري الأمريكي للصومال، والعمل على تعزيز القدرات القتالية للقوات المسلحة الصومالية؛ من خلال تكثيف التدريبات العسكرية المشتركة، إلى جانب تعزيز قدرات بعض ألوية الجيش الصومالي، كلواء القوات الخاصة “دنب” الذي يتجاوز عدد أفراده حاليًّا خمسة آلاف مقاتل. كما تضمَّن الاتفاق إنشاء خمسة مراكز عسكرية، تنتشر في مدن (بيدوا، طوسمريب، جوهر، كيسمايو، مقديشو)([1]).
يأتي هذا الاتفاق في وقتٍ تشهد فيه البلاد تناميًا لعمليات حركة الشباب، بالتزامن مع الانسحاب التدريجي لبعثة الاتحاد الإفريقي “أتميس”، ناهيك عن التوترات الإقليمية بين الحكومة الصومالية وإثيوبيا، على خلفية الاتفاق الأخير مع حكومة صومالي لاند من أجل إنشاء ميناء بحري لإثيوبيا على السواحل الصومالية.
في الوقت ذاته، تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على مصالحها بالمنطقة، وذلك من خلال إعادة النظر في سياستها تجاه منطقة القرن الإفريقي عمومًا، والصومال على وجه الخصوص. وبناءً على ذلك، يتناول هذا التحليل، دوافع الاتفاق العسكري الأخير، وأبرز تداعياته، إلى جانب استعراض السيناريوهات التي ستحملها الفترة المقبلة، فيما يتعلق بمستقبل النفوذ الأمريكي في الصومال.
أولاً دوافع الاتفاق:
تُبْدِي الولايات المتحدة اهتمامًا كبيرًا بتطوير علاقاتها مع الجانب الصومالي؛ سعيًا لتعزيز وجودها شرق القارة، وحفاظًا على مصالحها الإستراتيجية بالمنطقة، فيما يُشكّل ذلك فرصة للجانب الصومالي لتطوير قدراته القتالية؛ من أجل مواجهة التهديدات الأمنية لحركة الشباب، وعليه يحكم الاتفاق الأمني الأمريكي الصومالي الأخير، جُملة من الدوافع والأبعاد المتشابكة، التي يمكن استيضاحها على النحو التالي:
1-الأهمية الإستراتيجية للصومال:
تحظى الصومال بأهمية إستراتيجية كبرى في السياسة الخارجية الأمريكية، فمن جهة أكْسَبها موقعها الجغرافي أهمية بالغة؛ حيث أصبحت ممرًّا رئيسيًّا للتجارة العالمية، ومن جهة أخرى، تتنافس الشركات الأمريكية للتمتع بحقوق انتفاع بعض اكتشافات الغاز والنفط الصومالية الأخيرة، وعليه يشكل استقرار الصومال، وتمتعها بهدوء نسبي، ضمانة للولايات المتحدة لتحقيق مكاسب كبرى، وتدرك إدارة بايدن أهمية تنامي الاهتمام بالصومال، في محاولة لإصلاح الأخطاء التي ارتكبها الرئيس السابق دونالد ترامب، عندما أصدر قرارًا في 4 ديسمبر 2020، بسحب القوات الأمريكية من الصومال؛ حيث كان يوجد قرابة 700 عنصر من القوات الخاصة([2])، لمساعدة الجيش الصومالي في مواجهة التهديدات الأمنية لحركة الشباب، عبر شنّ العديد من الغارات الجوية على معاقل الحركة، إلى جانب تزويد القوات الصومالية بمعلومات استخباراتية دقيقة، لذا أدى الانسحاب إلى تمكُّن الحركة من إعادة تمركزها، وتوسيع نفوذها، وهو ما انعكس على المصالح الإستراتيجية الأمريكية بالصومال.
واستنادًا إلى ذلك انتهجت إدارة الرئيس جو بايدن سياسة مختلفة، تهدف لإعادة التمركز الأمريكي بالصومال، ففي مايو 2022 أعلن البنتاجون إعادة إنشاء قاعدة عمليات في الصومال، لتزويد القوات الصومالية بمعلومات استخباراتية، ومدهم بالدعم اللوجيستي، إلى جانب نشر عدد من القوات الأمريكية يصل إلى500 جندي([3])، فيما جاء الاتفاق الأمني المبرم في 15 فبراير 2024، والذي تضمَّن إنشاء 5 مراكز عسكرية، لتحجيم تمدُّد حركة الشباب، ناهيك عن الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الأمنيين لكلا البلدين، والتي كان آخرها؛ لقاء رئيس مجلس الشعب الصومالي شيخ آدم محمد نور، مع مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية في 17 فبراير، وتم خلال اللقاء تناول سُبل تعزيز العلاقات الثنائية في مجال مكافحة الإرهاب.
2-تعزيز القدرات القتالية للجيش الصومالي:
تواجه الصومال تحديات بالغة الخطورة، تقتضي أهمية تعزيز القدرات القتالية لأجهزتها الأمنية، ومنذ الإعلان عن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه إفريقيا، بواسطة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في ديسمبر 2022؛ تحاول الولايات المتحدة بشتى السبل إثبات وجودها، وتوسيع نفوذها، للحفاظ على مصالحها الكبرى بالمنطقة؛ لذا تضمن الاتفاق الأمني الأخير إنشاء خمسة مراكز عسكرية، في محاولة لملء الفراغ الأمني الناتج عن الانسحاب التدريجي لقوات أتميس، المقرر اكتماله بنهاية عام 2024، وكذلك تطوير التمركز العسكري الأمريكي بالصومال من أسلوب النشر بالتناوب إلى وجود عسكري دائم، وتضمَّن الاتفاق أيضًا تعزيز لواء “دنب” ذي الأهمية الخاصة؛ حيث تلقَّى هذا اللواء تدريبات مكثفة بواسطة بعثة الاتحاد الإفريقي، وتمكَّن خلال الفترة من (2019-2022) من تحرير أكثر من 29 بلدة صومالية من قبضة الجماعات الإرهابية([4]).
3-مواجهة تنامي نشاط حركة الشباب:
تشهد أنشطة حركة الشباب تصاعدًا كبيرًا، لا سيما مع بدء المرحلة الثانية للانسحاب التدريجي لقوات أتميس في يناير 2024، ففي 6 فبراير، وقع هجوم كبير للحركة على أحد الأسواق الشعبية في مقديشيو، مما أدى إلى مقتل 10 مدنيين، وإصابة 25([5]).
وفي 11 فبراير الماضي، شنَّت الحركة هجومًا على قاعدة عسكرية، بالعاصمة الصومالية، مما أدَّى إلى مقتل 3 جنود إماراتيين وضابط بحريني([6]).
فيما كشف تقرير صادر عن مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة، عن تصاعد نشاط حركة الشباب خلال الفترة من (20 يناير حتى 23 فبراير 2024)؛ حيث شنَّت ما يزيد عن 250 هجومًا مسلحًا، أدى إلى مقتل 470 مدنيًّا، فيما وقعت معظم الهجمات، بمنطقة شبيل بمحيط العاصمة مقديشيو([7])، ومنذ منتصف عام 2022، شهد نشاط الحركة تناميًا بنسبة 71%.
من جهة أخرى، نجحت حركة الشباب في تنويع مصادر تمويلها، للحفاظ على استمرارية أنشطتها؛ حيث تبلغ عوائدها جراء سرقة الفحم وبيعه، ما يقارب 40 مليون دولار سنويًّا، وخلال عام 2020 حققت إيرادات بلغت 180 مليون دولار([8]).
واستنادًا إلى ذلك؛ فإنه لا يمكن اعتبار حركة الشباب تنظيمًا عاديًّا، فقد نجحت على مدار سنوات، في مدّ جذورها داخل المجتمع الصومالي، ووضع خطط مالية، تضمن لها استمرارية تأثيرها، ورغم وجود إستراتيجية صومالية، تحظى بدعم دولي، للقضاء عليها، إلا أن معظم الضربات، لم تكن حاسمة بشكل نهائي؛ لذا فإن استمرار الأنشطة الإرهابية بتلك الوتيرة، من شأنه تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة؛ حيث تخشى واشنطن تكرار سيناريو طالبان في أفغانستان؛ بحيث تتحول الحركة إلى لاعب سياسي بالصومال، وقد حذَّر قائد القيادة الأمريكية الجديدة في إفريقيا “ستيفن تاونسند” من تحول حركة الشباب إلى مستوى أكثر جرأة، ما من شأنه الإضرار بالمصالح الأمريكية بالمنطقة، لا سيما مع تصاعد تيارات داخلية تدعو لإقامة حوار مع الحركة وإشراكها سياسيًّا.
4-احتواء الفراغ الناجم عن انسحاب أتميس:
هناك مخاوف مثارة من التداعيات الناجمة عن انسحاب قوات أتميس، البالغ عددهم قرابة 20 ألف جندي، بعدما شهدت المرحلتان الأولى والثانية انسحاب 5000 جندي، فيما لا يزال هناك 15 ألف جندي يُتوقَّع أن يتم انسحابهم بشكل كامل بنهاية 2024، فمنذ المرحلة الأولى للانسحاب في يونيو 2023، شهدت العمليات الإرهابية تصاعدًا كبيرًا؛ حيث شنَّت الحركة خلال شهر يونيو فقط 8 عمليات، أسفرت عن مقتل 58، وإصابة 97([9]).
وعقب البدء في المرحلة الثانية من انسحاب القوات في شهر يناير الماضي، كثَّفت الحركة من عملياتها، والتي كان من أبرزها: استهداف أحد الأسواق الشعبية في مقديشيو، وكذلك استهداف قاعدة عسكرية كانت تضم جنود إماراتيين وبحرينيين. ويُتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من العمليات، وعليه، فقد تم التوقيع على تلك الاتفاقية؛ بهدف تطوير الإمكانات القتالية للأجهزة الأمنية الصومالية، لتمكينها من إعادة الاستقرار، واحتواء الاضطرابات.
هجمات حركة الشباب على مواقع عسكرية خلال شهري يناير وفبراير 2024
المصدر: مشروع بيانات ومواقع وأحداث النزاعات المسلحة، متاح على: https://2u.pw/bro7WRX
5-مواجهة التنافس الدولي على المنطقة:
تخشى الولايات المتحدة، من تنامى نفوذ عدد من القوى الكبرى، بمنطقة القرن الإفريقي، وعلى رأسها الصين؛ حيث تبنَّت الأخيرة إستراتيجية ترتكز إلى ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب الأمريكي من الصومالي منذ 2020؛ وذلك لتعزيز استكمال مبادرة الحزام والطريق، التي تشمل عددًا من دول القرن الإفريقي، لذا قامت بكين بتعيين مبعوث خاص للمنطقة منذ 2022م؛ حيث أسفرت تحركاته عن إحداث تقارب كبير مع الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو، تكلَّل بعقد العديد من الاتفاقيات الثنائية، كما قامت الصين بتقديم بعض المساعدات العسكرية للصومال، كناقلات جنود وعربات إسعاف، وأجهزة للكشف عن الألغام، وعليه، جاءت التحركات الأمريكية الأخيرة، في محاولة لاحتواء النفوذ الصيني بالصومال، والتي تعزَّزت أيضًا بتعيين مايك هامر مبعوثًا للولايات المتحدة لمنطقة القرن الإفريقي، وساهمت تحركاته في الوصول لاتفاقات ثنائية مع الجانب الصومالي في مجالات الأمن والدفاع وتعزيز العلاقات الاقتصادية، وهو ما يعكس رغبة واشنطن في زيادة مستوى التعاون الإستراتيجي بالمنطقة.
6-منع تكرار سيناريو طالبان: تعتبر حركة شباب المجاهدين، أحد الأفرع الإقليمية التابعة للقاعدة بمنطقة القرن الإفريقي، لذا تتشابه الديناميات والأهداف بينهما، وعليه، تسعى الولايات المتحدة إلى تجنُّب محاكاة حركة الشباب لسيناريو طالبان في أفغانستان، حينما استغلت طالبان الفراغ الأمني الناجم عن الانسحاب الأمريكي من البلاد، وتمكَّنت من السيطرة على الحكم في أغسطس 2021، واستنادًا إلى ذلك؛ تسعى واشنطن لاتخاذ خطوات وقائية، لتجنُّب تكرار هذا السيناريو، من خلال إعادة تمركز ونشر القوات الأمريكية داخل الأراضي الصومالية.
ثانيًا: تداعيات الاتفاق
جاء الاتفاق العسكري الصومالي مع الولايات المتحدة، في وقتٍ يُواجه فيه الجيش الصومالي ذو القدرات المحدودة، تهديدات بالغة، لذا يُتوقع أن يؤدي هذا الاتفاق إلى العديد من التداعيات، التي ستُلقي بظلالها على الأوضاع الأمنية الصومالية، وهو ما يمكن إبرازه على النحو التالي:
1-استكمال إستراتيجية المواجهة الخاصة بالرئيس الصومالي:
منذ وصوله للحكم، حرص الرئيس “حسن شيخ محمود” على تبنّي إستراتيجية شاملة، لمواجهة نشاط حركة الشباب، وتمكَّن خلال فترة حُكمه، من دَحْر الحركة في مواقع كثيرة، لكن بفعل ديناميكيات الحركة المرنة، وقدرتها على التكيُّف مع كافة التطورات، ناهيك عن تمكُّنها من تنويع مصادر تمويلها، وحصولها على الدعم اللوجستي، استطاعت أن تتصدى في أحيان كثيرة لخطط شيخ محمود.
وعليه؛ فإن الاتفاق الجديد من شأنه تشجيع النظام الصومالي، على استمرار حشد وتعبئة الولايات الداخلية، واستقطاب القبليات المختلفة في مناطق سيطرة الحركة، وتشكيل تحالف للمواجهة استنادًا إلى الدعم العسكري الأمريكي المكثَّف للصومال خلال الفترة الأخيرة، ويتوقع أيضًا أن يتبنَّى شيخ محمود إستراتيجية شاملة لا تقتصر على المواجهة الأمنية فقط، لكن ستتضمن مواجهة فكرية شاملة، إلى جانب التركيز على الجوانب التنموية، بغرض تقليص معدلات الفقر، وإتاحة فرص عمل للشباب، في محاولة للتصدي لتحركات حركة الشباب نحو استقطاب مزيد من الصوماليين لصفوفها.
2-تعزيز القدرات القتالية للشركاء المحليين في الصومال:
تُبدي واشنطن اهتمامًا كبيرًا بالصومال، لا سيما على الصعيدين الأمني والعسكري؛ حيث تحرص على دعم القدرات القتالية لبعض القوات؛ كقوات جاشان، المعنية بحماية النظام الرئاسي، من خلال توفير التدريبات اللازمة ومدهم بالأسلحة المتطورة، كما تحرص على تطوير القدرات القتالية لقوات دانب، باعتبارها القوة الصومالية الوحيدة القادرة على القيام بعمليات خاصة ضد حركة الشباب، ولا يقتصر الدعم الأمريكي للجيش الوطني فقط، لكن هناك شركاء محليين آخرين، كقوات أمن بونت التي تتألف من 600 عنصر؛ حيث يُتوقع أن يحظى هؤلاء الشركاء بدعم أمريكي مُوازٍ؛ لتحسين قدراتهم القتالية، وإمكاناتهم التسليحية، من خلال تزويدهم بأسلحة متطورة، للقيام بمهام خاصة ودقيقة، ناهيك عن مدهم بمعلومات استخباراتية، تُسهّل لهم عملياتهم العسكرية.
3-تهديد الأمن الإنساني:
يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة، اشتداد حدة الاشتباكات بين الجيش الصومالي وحركة الشباب؛ حيث سيصبح المدنيون الأكثر عُرضة لخطر القتل والإصابة، لا سيما مع اعتماد الجيش بشكل كبير على الغارات الجوية، المدعومة أمريكيًّا، بعدما أصدر الرئيس بايدن موافقته على منح البنتاجون سلطة تنفيذ ضربات جوية بدون طيار على معاقل حركة الشباب، واستهداف كلّ مَن يُشتبه في انتمائهم للحركة؛ لينذر ذلك بارتفاع معدلات الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، فخلال عام 2017 وصل إلى مخيمات النزوح وسط العاصمة مقديشيو، ما يزيد عن 10 آلاف أسرة، جراء الغارات الجوية الأمريكية لبعض معاقل الحركة، ناهيك عن الأخطار الناجمة عن التغيرات المناخية التي تشهدها الصومال منذ سنوات؛ حيث تعرَّضت مساحات شاسعة للجفاف، بينما غرقت مناطق أخرى نتيجة الفيضانات، وانهيار البنى التحتية، لينذر كل ما سبق بكارثة إنسانية سيواجهها الصوماليون على المدى القريب.
أبرز أحداث العنف خلال الفترة من 20 يناير -23 فبراير 2024
المصدر: مشروع بيانات ومواقع وأحداث النزاعات المسلحة، متاح على: https://2u.pw/bro7WRX
3-ردود فعل مضادة:
تُصنّف حركة الشباب بكونها الذراع الأقوى، والأغنى لتنظيم القاعدة؛ حيث تمتلك قرابة 12000 مقاتل، فيما تبلغ إيراداتها الشهرية قرابة 10 ملايين دولار([10])، لذا تمتلك مقومات مادية وبشرية، تُمكّنها من تنفيذ هجمات مضادة؛ لردع الجيش الصومالي، عبر تكتيكات متنوعة، يتم خلالها استهداف مواقع وأهداف حكومية، مستخدمة العبوات الناسفة، والسيارات المفخخة، وطائرات بدون طيار. ففي أكتوبر 2022 قامت الحركة بتفخيخ 3 سيارات، بمقر الحكومة المحلية في بلدوين، مما أدى لمقتل 50 شخصًا، بينهم مسؤولون حكوميون، ناهيك عن استهداف مؤسسات حيوية، وسط العاصمة مقديشيو، لا سيما الفنادق التي يستقر فيها أفراد من الحكومة.
فعلى سبيل المثال، تم استهداف فندق الحياة أغسطس 2022، بعد حصار دام 30 ساعة، كذلك حصار فندق فيلا روز في نوفمبر 2022([11])، والذي يقع على مقربة من المكتب الرئاسي، ومؤخرًا تم استهداف 3 من الجنود الإماراتيين وضابط بحريني، في قاعدة عسكرية وسط العاصمة، فيما يمتد نشاط الحركة في أحيان كثيرة خارج الحدود الصومالية، للضغط على الشركاء الإقليميين للصومال، إلى جانب تأكيد النفوذ الإقليمي للحركة، وقدرتها على النفاذ داخل العمق الإقليمي لدول الجوار، ناهيك عن محاولاتها استقطاب المزيد من العناصر لدعم صفوفها الداخلية.
4-تخبط الجيش الصومالي:
يعتمد الجيش الصومالي على دعم عسكري متنوع المصادر؛ فالصومال تربطها علاقات أمنية وعسكرية بكل من روسيا والصين وتركيا وإيران والولايات المتحدة، لذا فإن الاعتماد على جهات داعمة متعددة، ذات مصالح متضاربة، من شأنه أن يؤدي إلى تخبُّط الجيش الصومالي، وتشتُّت وحداته، مما سينعكس سلبًا على استقرار البلاد.
ثالثا: أبرز السيناريوهات
في ضوء الاتفاق العسكري الجديد، تُبرز العديد من السيناريوهات، التي تتعلق بمستقبل الوجود الأمريكي في الصومال، وتأثيره على أمنها القومي، ويمكن استيضاح تلك السيناريوهات على النحو التالي:
السيناريو الأول: توسيع النفوذ الأمريكي بالصومال:
هناك رغبة أمريكية لتلافي أخطاء إدارة ترامب، التي أدت إلى سحب الوجود الأمريكي من الصومال، حيث تحرص إدارة بايدن على إعادة صياغة وتطوير السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الدول الإفريقية، فجاءت خطوة تعيين السفير الأمريكي مايك هامر، مبعوثًا لمنطقة القرن الإفريقي في يونيو 2022، محاولةً لتعزيز العلاقات الإستراتيجية الأمريكية بشرق القارة. وبالتوازي مع ذلك، تسعى واشنطن نحو تعزيز القوة العسكرية للصومال؛ بحيث تصبح أكثر قدرة على مواجهة نشاط حركة الشباب، وقد برز ذلك بوضوح خلال فترة الرئيس بايدن؛ حيث أُعاد نشر أكثر من 500 جندي أمريكي داخل الصومال منذ منتصف مايو 2022، كما قدمت واشنطن مساعدات عسكرية بقيمة 9 ملايين دولار للجيش الصومالي في يناير 2023([12])، فيما أعادت وزارة الدفاع الأمريكية تشغيل برنامج “دانب” للتدريب، بعدما توقف بتعليمات من الرئيس الأمريكي السابق ترامب؛ حيث يستهدف البرنامج التدريبي، تمكين 3 آلاف من عناصر المشاة الصومالية، في حين يبلغ العدد الذي تم تدريبه بالفعل حتى الآن، قرابة 1500. ويُتوقع أن ترتبط المراكز العسكرية الخمسة التي شملها الاتفاق العسكري الأخير بهذه الفرقة، وتسعى واشنطن من وراء تلك التحركات للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية بالمنطقة، والتصدي للتوسع الصيني والروسي، وتقليص أيّ محاولة لتحقيق أهداف إستراتيجية غير أمريكية بالقرن الإفريقي.
السيناريو الثاني: تصاعد التنافس الأمريكي مع الصين وروسيا وتركيا:
يُعتبر هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا؛ حيث تنتهج الصومال برجماتية جديدة، تهدف إلى توسيع دائرة تحالفاتها الدولية، وهو ما كشفته تصريحات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بشأن رغبته في تأسيس علاقات متوازية مع العالم الخارجي؛ فعلى سبيل المثال: تسعى الصومال لتنويع مصادر التسلح لديها، لذا ناشد الرئيس الصومالي في أكثر من مناسبة، الروس، للحصول على بعض التقنيات التسليحية منهم، فيما يتصاعد الحديث مؤخرًا عن تأسيس قاعدة عسكرية روسية بالصومال.
أما على الصعيد الصيني، فقد شهدت العلاقات الأمنية والعسكرية بين الجانبين، تصاعدًا كبيرًا، لاسيما منذ انسحاب القوات الأمريكية؛ حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية في المجال الأمني والدفاعي، كما زوَّدت بكين الصومال بفرص استثمارية في مجال البنى التحتية، ناهيك عن الموقف الصيني في العديد من القضايا والأزمات السياسية داخل الصومال.
أما على الصعيد التركي؛ فتشهد العلاقات الثنائية تناميًا ملحوظًا في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، كذلك على الصعيد الأمني والعسكري، وقد تجلى ذلك في التوقيع على الاتفاق الإطاري الأخير للتعاون الدفاعي والاقتصادي ومكافحة الإرهاب في 8 فبراير الماضي([13])، لتعكس كل تلك التطورات تحولًا للنهج البرجماتي الصومالي، واتجاه مقديشيو نحو تنويع علاقاتها، بما يخدم مصالحها الوطنية لا سيما في ظل التحديات الأمنية المتصاعدة التي تواجهها.
السيناريو الثالث: تراجع النفوذ الأمريكي:
يفترض هذا السيناريو فشل السياسة الأمريكية في مواجهة التنافس الدولي بالصومال، في مقابل توسع النفوذين الروسي والصيني، لا سيما وأن غالبية المبادرات العسكرية والأمنية التي قدمتها واشنطن، أدت إلى مقتل آلاف المدنيين، ما يعني أنه بمرور الوقت، سيصبح الوجود العسكري الأمريكي غير مُرحَّب به، بخلاف الدعم الذي تقدّمه الصين وروسيا؛ حيث يستهدف دعم البنى التحتية، وضخّ استثمارات في قطاعات مختلفة، ناهيك عن استخدام بكين وموسكو صلاحياتهما في المحافل الدولية لتقديم الدعم السياسي للصومال في قضايا عدة، وتركيزهما على تعزيز العلاقات الثنائية ببعديها الاقتصادي والتنموي، إلى جانب اتجاههما لتطوير منظومة التسلح الصومالية، دون أن يكون لهما دور في الصراع الميداني، بخلاف القوات الأمريكية التي تسبَّبت في مقتل آلاف المدنيين، ونزوح عشرات الآلاف، نتيجة الاستهداف العشوائي لأشخاص يُشتبه بانتمائهم لحركة الشباب، ومع ذلك يُعدّ هذا السيناريو الأقل ترجيحًا لا سيما في ظل تصاعد خطر حركة الشباب، وانسحاب قوات أتميس، ما يعني أن النظام الصومالي سيسعى للحصول على دعم دولي متنوع، لتعزيز قدراته في مواجهة أنشطة حركة الشباب.
واستنادًا إلى ما سبق؛ يمكن القول: إن الاتفاق الأخير، يكشف عن طفرة جديدة في العلاقات الأمريكية الصومالية، في وقتٍ تشهد فيه البلاد تصاعدًا خطيرًا لنشاط حركة الشباب، إلى جانب تسارع التنافس بين اللاعبين الدوليين والإقليميين، كروسيا والصين وإثيوبيا للحصول على نصيب وتأثير أكبر في الصومال.
وعليه، فإن الإطار الدفاعي الجديد يُحقّق مصالح متبادلة للطرفين، فمن جهة يمنح القوات الصومالية ميزة تطوير قدراتها القتالية، إلى جانب تعزيز منظومتها الأمنية والعسكرية بقواعد جديدة، في الوقت ذاته يمنح واشنطن مزايا عدة، منها ضمان ولاء الشركاء المحليين، وبعض العشائر المتمركزة جنوب الصومال؛ حيث تنشط حركة الشباب، إلى جانب ضمان ولاء بعض الجهات العسكرية الصومالية، مما يُسهّل من مهمة تقليص نفوذ الحركة، كما أن انتشار تلك القواعد بالقرب من الخط الساحلي الصومالي، سيُعزِّز من قدرة الولايات المتحدة على مواجهة القوة الدولية المنافسة لها؛ حيث سيمنحها ميزة المراقبة الأعمق لمضيق باب المندب، مما يضمن في النهاية تعظيم المصالح الإستراتيجية الأمريكية بالمنطقة.
……………………………
[1] US Signs Agreement to Build Bases for Elite Somali Army Force, Voa news,15/4/2024, available at: https://2u.pw/1WUsiIH
[2] Trump orders withdrawal of US troops from Somalia,BBC,5/12/2020, available at: https://2u.pw/WoI1DpU
[3] Charlie Savage and Eric Schmitt,Biden Approves Plan to Redeploy Several Hundred Ground Forces Into Somalia,The New York Times,16/5/2022, available at: https://2u.pw/cY3nuHp
[4] – ما دلالات توقيع واشنطن اتفاقًا مع الصومال للتدريب العسكري، موقع جريد الشرق الأوسط، 16/2/2024، متاح على: https://2u.pw/bB7Tnvh
[5] Blasts in Somalia’s capital Mogadishu kill at least 10, Reuters, 6/2/2024, available at: https://2u.pw/8nwaAmz
[6] Al-Shabab claims attack in Somali capital that kills 4 Emirati troops and 1 Bahraini officer, AP news,12/2/2024, available at: https://2u.pw/Lmtckiq
[7] Somalia: Al-Shabaab’s Infiltration of a Military Base in Mogadishu and Somaliland’s Conflict,ACLED,1/3/2024, available at: https://2u.pw/mTIvi3da
[8] – أحمد عسكر، إعادة الولايات المتحدة نشر قواتها في الصومال: الدوافع والسيناريوهات، مركز الإمارات للسياسات، 15/6/2022، متاح على الرابط: https://2u.pw/YEBsPLy
[9] – وسط هجمات حركة الشباب.. إتمام المرحلة الثانية من انسحاب بعثة الأتميس، منبر الدفاع الإفريقي،27/4/2024، متاح على: https://2u.pw/oTtPNgl
[10] Mary Harper , US troops back in Somalia to fight al-Shabab,BBC,1/6/2022, available at: https://www.bbc.com/news/world-africa-61631439
[11] Al-Shabaab, the Branch of al-Qaeda in Somalia and the Horn of Africa,The Meir Amit Intelligence and Terrorism Information Center ,24/10/2022,available at: https://www.terrorism-info.org.il/en/al-shabaab-the-branch-of-al-qaeda-in-somalia-and-the-horn-of-africa
[12] – دعم أمريكي لـ”رأس الحربة” في الحرب على الإرهاب بالصومال، سكاي نيوز، 10/1/2023، متاح على: https://2h.ae/bdkg
[13] – تركيا والصومال توقعان اتفاقية للتعاون الدفاعي ومكافحة الإرهاب، موقع سبوتنيك عربي، 8/2/2024، متاح على: https://2h.ae/oPLk