ديسمبر 11, 2024

د. عمر الفاروق شيخ عبدالعزيز: هل ما يجرى في جوبالاند يضع رئيس الوزراء الصومالي أمام اختبار حقيقي؟

تتقلد القبيلة التي ينتمي إليها رئيس الوزراء الصومالي الحالي السيد حمزة عبدي بري هذا المنصب لأول مرة في تاريخ السياسة الصومالية، ممثلا من منطقة جوبالاند بعد أن زكّاه السيد احمد محد إسلام مدوبي -رئيس ولاية جوبالاند الحالي- الذي ينتمي نفس قبيلته ليصبح رئيسا لوزراء الصومال في 2022م بعد أن عينه رئيس الصومال السيد حسين شيخ محمود.

وبتعيين السيد حمزة لهذا المنصب أثار حفيظة ولاية بونتلاند، وبالأخص رئيسها السيد سعيد عبدالله دني الذي إتهم بالسيد احمد مدوبي بأنه نكث العهد بينهما،  ورمى كل العهود والمواثيق والتحالفات السياسية التي جرت بينهما عرض الحائط بعد أن أيّد مدوبي بتعيين رئيس الوزراء من منطقته ومن قبيلته بدلا من سعيد دني أو من منطقة بونتلاند، ما أدى إلى قطع العلاقة بين بونتلاند وجوبالاند منذ ذلك الوقت.

وفي شهر اكتوبر الماضي إنعقد اجتماع المجلس التشاوري الصومالي بين قادة الحكومة الفيدرالية ورؤساء الولايات -باستثناء بونتلاند كالعادة- بعد فترة طويلة لم يتمكن المجلس من الاجتماع. وبعد مداولات أجندة المجلس. رفض السيد احمد مدوبي رئيس جوبالاند بموافقة وتوقيع أجندة الاجتماع العريضة المتعلقة بإجراء انتخابات موحدة ومباشرة على المستويين الولائي والفيدرالي، حيث عرض مدوبي بإجراء الإنتخابات الولائية في موعدها المحدد في نوفمبر 2024م، حتى لا يكون هناك فراغ دستوري، والعمل معا في تحقيق إجراء إنتخابات مباشرة على المستوى الفيدرالي، وإشراك كل من بونتلاند وإدارة أس أس سي- خاتمو المناقشات المتعلقة بمصير الإنتخابات، بيد أن الرئاسة الصومالية والحكومة الفيدرالية رفضت هذا العرض. ما أدى إلى إنسحاب احمد مدوبي من الأجتماع والعودة إلى كيسمايو، وهذا سبّب لإفشال اجتماع المجلس لعدم تمكُنه من اصدار البيان الختامي.

وفي 27 اكتوبر 2024م إنعقد المجلس التشاوري من جديد في مقديشو بغياب جوبالاند، وقبلها بونتلاند، وفشلت كل المحاولات الداخلية والخارجية لإقناع رئيس جوبالاند للعودة إلى اجتماع المجلس، وأصدر المجلس بغياب الولايتين بيانا أحاديا بين الحكومة الفيدرالية ورؤساء ولايات جنوب غرب الصومال وجلمدغ وهيرشبيلي، كان محوره أن الصومال ستتجه إلى إجراء إنتخابات محلية في يونيو 2025م، ونيابية رئاسية على مستوى الولايات في سبتمبر  2025م، ما يعني تمديد غير دستوري لمدة 10 شهور لرؤساء الولايات الثلاثة المذكورة سابقا.

وقد رحبت بونتلاند ومعظم المعارضة السياسية الصومالية بما في ذلك رؤساء ورؤساء وزراء سابقون موقف جوبالاند من إنسحاب المجلس التشاوري، وإعلانها بإجراء انتخاباتها الداخلية حسب ما ينص دستورها والدستور الصومالي المؤقت.

وفي 9 نوفمبر 2024م عيّنت جوبالاند اعضاء اللجنة المستقلة للحدود والإنتخابات لإجراء إنتخابات غير مباشرة في جوبالاند، في حين أن الحكومة الصومالية ليس لها أي تأثير في مجراها، ولا ناقة لها ولا جمل لا عن قريب ولا عن بعيد لمسيرة هذه الإنتخابات التي من المزمع تنفيذها في الأيام المقبلة.

وفي نفس هذا اليوم أصدرت الحكومة الصومالية الفيدرالية بيانا صحفيا ترفض فيه قرار تعيين جوبالاند لجنة الإنتخابات، وأن الحكومة الفيدرالية سوف لن تعترف النتائج التي ستسفر أية إنتخابات أحادية من طرف جوبالاند، ولم تتأخر جوبالاند من إعلان قطع علاقتها وعملها مع الحكومة الفيدرالية، وذلك تفاديا لتأثير سياسي وأمني سلبي من قبل الحكومة الفيدرالية.

ويتفق الجميع، ويرى معظم المحللين والمراقبين بأن ما يجرى الأن في جوبالاند من إنسحاب من اجتماعات المجلس التشاوري الصومالي، وتعيين لجنة الإنتخابات الولائية، وإعلان اجراء انتخاباتها المحلية والنيابية والرئاسية، ومخالفة جوبالاند بتحقيق نظام الإنتخابات المباشرة الموحدة في ربوع الصومال؛ كل ذلك يجعل رئيس الوزراء الصومالي الحالي السيد حمزة عبدي بري على المحك، ويجعله في صراع مرير من أجل البقاء.

وتتمثل الخيارات المتاحة لرئيس الوزراء في المرحلة المقبلة أحد أو بعض الخيارات التالية:

1- التمكن من إقناع احمد مدوبي من العدول عن اجراء الإنتخابات الأحادية المزمع انعقادها في الشهر الجاري، وهذا الخيار خيار بعيد المنال حسب رأيي.

2- السفر العاجل لكيسمايو لإيقاف عملية الإنتخابات المخططة في جوبالاند بالقوة والمواجهة العسكرية والأمنية الدامية، وهذا الخيار حسب تقديري صعب جدا، حيث أن تأثير احمد مدوبي أقوى بكثير من تأثير حمزة بري في داخل جوبالاند، وأن مدوبي يتحكم أمن مطار كيسمايو الذي لا يمكّن رئيس الوزراء وقواتها العسكرية من الدخول، وسيطرة المطار والقواعد العسكرية الاستراتيجية في المدينة.

3- إقناع القوات الأممية والكينية المتواجدة في كيسمايو بالضغط على احمد مدوبي للتوقف عن اجراء إنتخابات من جانب واحد، وهذا الخيار أيضا خيار ليس سهلا بالنسبة للرجل وحكومته، حيث أن احمد مدوبي له قوات خاصة مدرّبة في المطار ومفاصل العاصمة كيسمايو، كما أن العلاقة بين الرجل وبين قوات كينيا الطويلة الأمد علاقة استراتيجية وأمنية قومية بالنسبة لكينيا التي ترى أن وجود احمد مدوبي في سدة جوبالاند يحقق لها مصالحها وأمنها القومي أكثر من أي شخص آخر. لذلك سوف لن تتنازل كينيا عن احمد مدوبي لصالح الرئيس حسن شيخ ورئيس وزرائه حمزة بري.

4- أن يتشجع رئيس وزراء الصومال الحالي حمزة برى من إعلان التنازل والاستقالة من منصبه، والترشح لمنصب رئاسة جوبالاند بدلا من احمد مدوبي. وهذا وإن حدث فإن ذلك إقرار الحكومة الصومالية والرئاسة الصومالية قبول اجراء الإنتخابات الغير المباشرة في البلد، والتنازل عن مشروع الإنتخابات المباشرة الموحدة، وهذا القرار صعب جدا بالنسبة للنظام الحالي في الصومال، كما أن فرصة تمكّن السيد حمزة من دخول كيسمايو دون رضى احمد مدوبي -ناهيك عن الترشح- أمر بعيد المنال في ظل إعلان جوبالاند قطع علاقتها مع الحكومة الفيدرالية.

5- أن يتشجع رئيس الجمهورية الصومالية حسن شيخ محمود وحلفائه في داخل الصومال إقالة السيد حمزة عبدي بري من منصب رئاسة الوزراء، مادام أنه فشل في إقناع قريبه السيد احمد مدوبي، للعودة إلى المجلس التشاوري، أو الضغط عليه للتنازل عن اجراء الإنتخابات الشخصية في كيسمايو.

وختاما، وأيا كان الخيار، وككاتب ومتابع للشأن الصومالي فإن الأمر في جوبالاند سيؤول إلى طريق واحد لا ثاني له، وهو اجراء الإنتخابات الغير المباشرة في كيسمايو، وانتخاب احمد مدوبي رئيسا للولاية لفترة خمس سنوات جديدة، وربما تحدث هنا وهناك مواجهات دامية بين نظام جوبالاند الحالي وبين المرشحين الداعمين من قبل الحكومة الصومالية الفيدرالية في كيسمايو.

ومن جانب آخر، فإنني أعتقد أيضا أن مستقبل الإنتخابات الفيدرالية في الصومال لعام 2025م، ستؤول لأحد الطريقين:

الطريق الأول: إرغام الرئيس حسن شيخ محمود وحكومته في 2025م للتنازل عن فكرة الإنتخابات المباشرة الموحدة، والعودة لإجراء الإنتخابات الغير المباشرة في خيمة أفسيوني كما حدث في عام 2022م.

الطريق الثاني: وإذا لم يتحقق هذا الطريق فإن الطريق الثاني سيكون خيار الإنقاذ الوطني2 “بدبادو٢”، والمواجهات الدمية، والتناحرات القبلية، والخلافات الولائية، ومحاولة اجراء انتخابات مباشرة غير مكتملة في بعض المناطق من قبل الحكومة الفيدرالية، ورفض من قبل بعض الولايات الاقليمية والقبائل الصومالية والمعارضة السياسية، وربما سيحتاج الصومال -لا قدر الله- إلى مصالحة سياسية جديدة، ومؤتمر جامع للمُ الشمل، وإعادة اللحمة الوطنية من جديد، والوحدة الصومالية.

________________

هل ما يجرى في جوبالاند يضع رئيس الوزراء الصومالي أمام اختبار حقيقي؟

د. عمر الفاروق شيخ عبدالعزيز
كاتب في الشَأن الصَومالي والقرن الأفريقي
البريد الألكتروني: ofarouk.yaqeencenter@gmail.com
التَاريخ: 10 أكتوبر 2024م

Written by admin
×