إذا كانت إثيوبيا تؤمن بحق لها في المياه الصومالية، أو هي ترغب في الحصول على بوابة بحرية بالبحر الأحمر، بعد أن تجذرت الوطنية في الشعوب (كل الشعوب)، فإنها رغبة جاءت متأخرة جدا كما إنه حق لا سبيل منطقي بمطالبتها به ولا يمكن تحقيقه بسهولة.
ذلك أن ما لم تحصل عليه إثيوبيا في أيام تقسيم الإستعمار الأبيض للقارة الإفريقية، وقد كانت حاضرة في مؤتمر بارلين الشهير عام ١٨٨٤م، فإنها لن تحصل عليه الآن، وهذا ما يجب أن تؤمن به وتعمل على مقتضاه، ما لم تكن تريد إقحام نفسها فيما هي في غنى عنه.
إن أي شبر بالنسبة للشعوب سواء كان برا أو بحرا فإنه مسألة حياة أو موت بالنسبة لها، والجميع يؤمن أن إثيوبيا التي تعاني في الوقت الحالي من مشاكل داخلية كثيرة وخطيرة سياسيا وإقتصادها وأمنيا، مثل خروجها قبل فترة غير بعيدة من حرب طاحنة مع جبهة تحرير التغراي التي وإن وقعت مع حكومة أديس أبابا إتفاقية سلام, إلا أنها غير مقتنعة بما حصل، وتنتظر أية فرصة مواتية للإنقضاض من جديد على الحكومة لأنه لا يروق لها غير حكم إثيوبيا منفردة كما تعودت عليه سابقا حين حكمت البلاد منفردة بالحديد والنار لما يقرب من ٣٠ عاما.
وقد تجد هذه المرة من حكومات دول الجوار من يعينها على هكذا فعل، مع العلم أنها قد سبق وأعلنت إنفصالها عن باقي البلاد قبيل إندلاع النزاع المسلح بينها وبين الحكومة المركزية، بمعناً آخر إنها تؤمن إما أن تحكم إثيوبيا الموحدة أو أن تنفصل نهائيا وتحكم إقليمها كدولة مستقلة تجلس في المحافل الإقليمية والدولية جنبا إلى جنب مع من يحكم باقي الأراضي الإثيوبية التي لا أحد يضمن أنها لن تشهد مزيدا من التفكك.
وفي حال إعترفت إثيوبيا لإدارة أرض الصومال، وهو على أية حال مستبعد لأسباب كثيرة لا يمكن أن نعددها هنا خوفا من الإطالة، فما الذي سيمنع الحكومة الصومالية من الإعتراف بها، وأي إقليم آخر يرغب في الانفصام عن إثيوبيا، مما سيفتح على هذه القارة بابا جهنميا لكثرة المنازعات القبلية التي تطالب بالإستقلال عن الحكومات أو الدول الوطنية؟.
كما إن جبهة قومية الأمهرا تشتعل على ضراوة، ولا تكاد حكومة أديس أبابا السيطرة على تمرد جبهة فانا المسلحة، وهو نزاع قد يتطور إلى المطالبة بالإستقلال التام عن باقي البلاد، وستجد مطالبة من هذا النوع آذانا صاغية بالإعتراف بها في حال عدم كبح جماح الحكومة الإثيوبية وتمادت في المضي قدما في تنفيذ ما إتفقت عليه مع صوماليلاند.
ولا يمكن الإغفال عن جبهات الأورومو التي تخوض هي الأخرى حروبا في أكثر من موقع واحد مع حكومة أديس أبابا رغم أن رئيس الوزراء أبي أحمد ينحدر منها لأنها غير مقتنعة بالطريقة التي يُسَيِر بها شؤون الحكم في الدولة.
إذاً من الواضح أن الطموحات التي يُبدِيها رئيس الوزراء أبي أحمد في هذا الوقت بالذات ليس أوانها، ولا يمكن أن تجلب غير الدمار للمنطقة، وهو دمار تريده قوى إقليمية ودولية، بسبب التقارب غير المألوف بين شعوب المنطقة في الآونة الأخيرة.
عبدالوهاب شيخ رشيد
كاتب ومحلل سياسي مقيم في الصومال
٧ يناير ٢٠٢٤م