سبتمبر 12, 2024

الأستاذ/ عبد الشكور قوريري سهل: إن ألاشياء هي ليست ألاشياء كما كانت سابقا

في هذا العالم لا شيء يدوم على حاله وتتغير الأشياء مع مرور الزمن وكذلك الطبيعات الشعوب والامم, وكما نعلم أن الإنسان في حياته لا يسير على وتيرة واحدة بل يطرأ عليه في مراحل حياته تغيرات واختلفت كذلك معه كافة العادات والتقاليد والتي كانوا في قديم الزمان يقومون بالتمسك بها وعدم التخلي عنها نهائيًا وهذه التغيرات قد لا يشعر بها، ولكنها موجودة بالفعل وقد تكون للأحسن أو للأسوأ. وفي هذا المقال نتكلم عن بعض التغييرات التي حدثت للشعب الصومالي خلال الـ 150 سنة الماضية.

في الماضي أو قبل قرن ونصف قرن كانت إثيوبيا العدو التاريخي اللدود للصومال, اما اليوم الامر ليس كذلك وأن الاشياء هي ليست الاشياء نفسها فالصومالي اليوم عدوه الاول هو اخوه الصومالي من نفس دينه وعرقه وليست إثيوبيا, وكذلك كل القبائل الصومالية اصبحت عدو بعضهم البعض وما نراه اليوم علي الارض الواقع يختلف تماما عما يقوله التاريخ الصومال. وبحسابات الأمن والمخاطر فإن بعض الصومالين يقللون من خطر إثيوبيا ورغم ان الصومال تاريخياً كانت هدفاً للتمدد الإثيوبى خاصة منذ الربع الأخير للقرن التاسع عشر.

وكان السياسي الصومالي في الماضي صادقا ومحترما وكان يحرس مصالح شعبه اكثر من مصالحه ألشخصية, أما اليوم الوضع ليس كما كان من قبل فالسياسيون الصوماليون اليوم يتميزون بالكذب والخداع والعمالة واقتنعو خدمة عدو وطنهم التاريخي, وقفزت خلال السنوات الأخيرة معدلات كذب السياسيين، وانتقلت الظاهرة من أعلى مستويات السلطة إلى أدناها فقد لفتت وسائل الإعلام الصومالية بشكل شبه يومي انتباه الجماهير إلى الأكاذيب التي يروجها السياسيون، وغالباً ما تكون هذه الأكاذيب صارخة وفجة إلى الحد الذي أصاب الشعب بالإرهاق والإحباط وعدم الثقة.
ومنذ أن انزلق الصومال ثلاثة عقود من الزمن في فوضى عارمة لا تزال أزمة هذا البلد مستعصية على الحل بسبب الإفلاس السياسي للنخب القيادية في البلاد مما جعل الكثير من الشعب يتمنون أن لا تتدهور أوضاعهم بعدما يئسوا من تحسنها.

وعلاوة علي ذلك كان الشعب الصومالي قديما متمسك بدينه وعاداته وتقاليده وكان يعتقد ان لغة الصومالية والعربية لغتان مهمتان ولكن للاسف اذا نظرنا إلى واقع الشعب الصومالي اليوم، نجد أن اللغة السائدة والمهيمنة هي اللغات الاجنبية سواء كانت إنجليزية أو فرنسية، أو غير ذلك حتى أنه يقاس عِلم الشخص وتميّزه بمدى جودته للغات الأجنبية، فأصبحنا كرهائن عند الغرب حتى على مستوى اللغة, على الرغم من أن اللغة العربية كانت لغة العالم عندما كان المسلمون سادة العالم في النهضة والعلم والمعرفة.

وهذا لا يعني بطبيعة الحال ألّا نتعلم لغة الآخرين، ولكن حديثي وتعليقي على حالة الانهزام والتبعية الكلية لكل ما جاء به الغرب مع إهمال ثوابتنا ولغتنا وثقافاتنا وعدم إعطائها المكانة اللائقة بها، فوصلنا إلى مرحلة التطبيع الثقافي مع كل ما يتقبّله الغرب وإن خالف الإسلام وفطرة الإنسان وهذا يشير إلى تحكّم عقدة النقص عند الكثير منّا.
ومن ينظر إلى واقع حياة الصوماليون اليوم يجد أن من أسباب المشاكل والصراعات الحادثة في بلادنا أننا تبعنا الخارج في كل شيء وهجرنا أخلاقنا وسلوكياتنا وعادات أجدادنا القديمة، وأصبح الكثير من أعمالنا وسلوكياتنا ما هو إلا تقليد لغيرنا, بينما تعمق الصوماليون القدماء في الأدغال الأفريقية وعبروا نهر تانا إلى الجنوب وهم يحملون عقيدتهم وأفكارهم وإبلهم ونمط حياتهم.

ومسالة تقليد شباب الصومالي للاجانب كاد ان يصبح ظاهرة مرضية فقد اتبعوا الغرب في ملابسهم وقصات شعورهم وحركاتهم وطريقة تصرفاتهم، فاتجهوا إلى الاغاني “RAB” التافهة، ولم يعد يعجبهم الشعر الصومالي الجميل أو تراثهم واتخذوا من الموسيقا الغربية والرقص الغربي ملاذاً لهم وهروباً من الواقع فنجد شباب اليوم يري ان الشعوب الاروبية اذكي مننا, وحضارة اروبا افضل من حضارتنا الصومالية. وكذلك انتشرت في الآونة الأخيرة برامج المسابقات تافهة مثل مسابقة ملكة الجمال الصومال ومسابقة الفن والغناء والتي تشجع الأطفال والمراهقين والشبان التخلي عن قيم وعادات اجدادهم وهذا يوضح ان هذه الأمة اصبحت مريضة الفكر وتحب ما يريده لها عدوها أن تحبه وتكره ما يريد منها أن تكرهه.

وكذلك كان شيوخ القبائل الصومالية في الماضي هم الذين يلعبون دورًا رئيسيًا في المجتمع الصومالي, وكانوا الوحيدين الذين يعتقد المجتمع أنهم قادة وكانت كلماتهم هي الأعلى وكان قرارهم هو الأخير. أما حاليا الوضع ليس كما كان من قبل فمعطم الشيوخ اليوم يقودون الحروب القبائل والأفخاذ الصومالية، ويثيرون الصراع ومشغولون في التركيز على ما يفرق الامة وليس على ما يجمعها, وكذلك أصبح الشيوخ أداة في أيدي السياسيين وتجار الحروب يوجهونهم في أي اتجاه يريدون وقد سببت هذه القضية علي الشعب الصومالي مشاكل كثيرة لا يمكن تلخيصها في مقال واحد.

وفي حين أنه من ألجدير بالذكر ان المجتمع الصومالي قبل الاستعمار كان ينعم بالأمن والاستقرار والتكافل والتراحم في ظل النظام القبلي وفي كنفه حتى مجيء الاستعمار إلى أرضه وإذا حدث قتال بين العشائر كان العلماء والشيوخ يتدخلون على الفور ويحلونه.

وكان الجيش الصومالي قديما من اقوي جيوش في العالم وكان الجندي الصومالي بطلاً شجاعاً ومستعداً ان يموت للدفاع عن بلاده، اما اليوم الوضع ليس كما كان فبعد فشل الجيش الصومالي في الدفاع عن بلاده جاءت جيوش اثيوبية وافريقية بغرض مساعدة حكومة الصومال في استعادة السيطرة على كافة أراضي البلاد وحماية الشعب الصومالي.

واليوم يوجد في البلاد قوات اجنبية تتكون اكثر من 15 الف فرد من بينهم نحو ثمانية آلاف موظف لوجيستي إضافة للموظفين المدنيين، من نحو 36 دولة. وتشير التقارير إلى أنه “لا يوجد حتى الآن مؤشرات توحي بأن الصومال قادر حاليا على تشكيل قوات أمنية مجهزة بفنون الأسلحة المتنوعة والمدرعات والطائرات ويتمتع بخبرة عسكرية عالٍية وضمان توافر التمويل اللازم لها”.

وكذلك كانت الفتيات الصوماليات فتيات محجبات ولا يتحدثن كثيرًا في الاماكن العامة وامام الرجال, وكانت المراءة الصومالية تقتل نفسها لتحافظ على شرفها, أما اليوم الوضع مختلف تماما فقد تخلت معظم الفتيات الصوماليات عن الحجاب ونري فتيات وامهات الصوماليات على وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والتيك توك لا يخجلن ويفعلن كل الفواحش فأصبح الإنفلات من اي قيود أخلاقية سمة للنجاح. وايضا كانت المرأة الصومالية لا تشارك في الحياة السياسية بينما في الحاضر أصبح للمرأة دور كبير في الحياة السياسية.

وأما الاسرة الصومالية كان الأب في الماضي يعمل طوال اليوم لتوفير الطعام وكافة مصروفات الأطفال وزوجته، أما حاليا الوضع ليس كما كان من قبل فالأم الصومالية اليوم تستيقظ كل صباح وتدهب العمل لكي تحصل احتياجات الاسرة ومصرفاتهم وتعمل في وظائف صعبة لا تليق بالأم الصومالية, بينما ألاباء الصوماليين معطمهم ليس لديهم اي عمل فقط يذهبون مقاهي الشاي لكي يناقشو السياسة والاحداث في الشرق الاوسط.

وكان المجتمع الصومالي قديماً مترابطاً بشكل كبير وكانت روابط الأخوة والصداقة منتشرة إلى حد كبير بين أفراد المجتمع والقبائل الذي امتاز بالتكافل الاجتماعي ومراعاة حقوق الجيران والقرابة وانتشار المحبة بين الأهل والأصدقاء والجيران، اما حالياً وبعد تغيير نظام الحكم في البلاد من نظام المركزي إلي نظام فدرالي تعيرت الاشياء
فانتشرت الصراعات والقتال بين القبائل الصومالية.
فى حين أنه خلال فترة الحكم الاستعمارى للصومال لم تكن العصبية القبلية واضحة إلى ذلك الحد، حيث أن قضية التحرير من الاستعمار كانت عاملاً من عوامل وحدة الصف الصومالى وايضا القبيلة قد لعبت دوراً حيوياً للتلاحم الوطنى فى مواجهة كلاً من الاستعمار الأوروبى والإثيوبى معاً.

وايضا في الماضي، كان الصوماليون شعبًا فخورًا بدينه واخلاقه وعادته وكانت أعرافه المتعارف عليها بين الناس بمثابة قانون موثق يصعب اختراقه أو تجاوزه، وكان المجتمع قديماً متماسكاً إلى حدٍ بعيدٍ وكانت النخوة والشهامة والتسامح والعفو ووجود المُصلحين من أهل الخير بين الناس أبرز مظاهر المجتمع السائدة آنذاك, أما اليوم فإن الاشياء هي ليست الاشياء وبسبب الجهل وعدم قراءة ألتاريخ اصبح الواقع علي ما نراه.

وما يجعلك تزداد تتعجب أن الصوماليين في ذاك الزمن القديم لم يكن التعليم سائداً كما هو اليوم في أوساطهم، ولم تكن المدارس والجامعات والمعاهد متوفرة بالطريقة ذاتها اليوم ولكن كانو متمسكين عن دينهم وعاداتهم.

فقد وصلت الأمة الصومالية إلى ماهي عليه اليوم من الضعف والوهن والابتذال وغدت محط أطماع الأمم الأخرى بل لقد فاق ضعفها وجهلها اليوم وقلة الاكتراث بها ما كانت عليه بالأمس بمراتب كثيرة وكبيرة, ورغم محاولاتها المتكررة للخروج من هذا النفق المظلم الذي أوقعت نفسها فيه ولكن تلك المحاولات تبوء بالفشل لأنها لم تستند إلى المقومات والأسباب الحقيقية التي تستطيع بالفعل أن تجتاز بها تلك الأسلاك الشائكة التي يضعها العدو في طريق خلاصها واستقلالها.

وختاما تمر على أمتنا أيام عصيبة، وخصوصا في الواقع الحاضر ونعيش في زمن تغير فيه كل شيء، كل ما كان جيداً أصبح سيئاً، ونحن نسمي البطل جباناً، ونسمي الجبان بطلاً. لذلك يتوجب علىنا أن نكون اجابيين وأن نعود إلى أنفسنا ونحدد سبب المشاكل الحقيقية التي تمر بها أمتنا، ونجتهد في حلها وخصوصًا ما هو متعلق بالجانب الأخلاقي قبل أن ننهار ونقع فريسة الانحلال الذي يريده عدونا لنا وايضا علينا أن نستلهم العبر من تاريخنا.

ولابد للشعب الصومالي إلى وقفة جادة لتقييم وضعها والنظر في أسباب ضعفها المتراكمة عبر السنين وإن التحديات التي نواجهها اليوم، لم يسبق أن شهدنا مثله في تاريخنا ولذلك علينا ان نحاول بما استطعنا من علم ومعرفة ونمرر رسائل التفاؤل والمضي قدما لبناء مستقبل مشرق لنا والاستسلام ليس من شيم الصوماليين.ومن المهم أن ندرك أن أهم عوامل قوة أمة من الأمم هو الاتحاد, وبالاتحاد تنال الأمم مجدها وتصل إلى مبتغاها وتعيش حياة آمنة مطمئنة.

وايضا علينا ان نعمل على معالجة الانقسامات الداخلية، وتعزيز القيادة الرشيدة، مستنيرين بقيمنا وديننا وعاداتنا القديمة وإن السبيل إلى استعادة قوتنا وعزتنا يكمن في الوحدة والعمل الجماعي، والتخطيط السليم لمستقبل أفضل، لكي نستعيد فيه دورنا الريادي ونحمي حقوق أبناء أمتنا في كل مكان ويبقى التفاؤل في غد مشرق ليس ببعيد عندما تحقق وحدة الأمة وتتوحد صفوفها إلى كتلة واحدة تحت راية واحدة تسمي “الصومال الكبير” ونرجو من ألله في المستقبل القريب أن نكوِّن كيانا قويا يلعب دورا سياسيا واقتصاديا رائدا في منطقة القرن الأفريقي والعالم.

عبد الشكور قوريري سهل

كاتب صومالي

Written by admin
×