لطالما لعبت قوات الدعم السريع دورًا محوريًا في المشهد السوداني، لكن هذا الدور كان محفوفًا بالدماء والانتهاكات التي زرعت الكراهية في نفوس الشعب. فمنذ ظهورها، تورطت هذه الميليشيا في جرائم حرب، وعمليات نهب، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مما جعلها رمزًا للقمع والعنف في نظر السودانيين. ومع تصاعد الصراع، لم تكتفِ هذه القوات بتهديد الأمن والاستقرار، بل أصبحت أداة لترويع المدنيين وفرض واقع مأساوي على العديد من المناطق السودانية. فكيف ساهمت هذه الجرائم في تعميق العداء بين الشعب السوداني وقوات الدعم السريع؟
تعود جذور قوات الدعم السريع إلى ميليشيات الجنجويد التي استُخدمت في إخماد التمرد في دارفور خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي عام 2013، قررت الحكومة السودانية، بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير، دمج هذه الميليشيات ضمن المؤسسة العسكرية، ومنحها وضعًا رسميًا تحت اسم “قوات الدعم السريع”. ورغم وضعها القانوني، ظلت هذه القوات تحت قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) ولم تكن خاضعة للجيش السوداني بشكل كامل، بل احتفظت باستقلالية كبيرة، مما ساعدها على التوسع والنفوذ، واستقطاب المقاتلين على أساس قبلي أو مناطقي.
مع اندلاع النزاع، انضم العديد من المقاتلين إلى قوات الدعم السريع، خصوصًا من ميليشيات كردفان ودارفور، بدافع المال وليس الولاء. ولهذا، فإن الكثير منهم لن يترددوا في التوقف عن القتال حال انعدام الموارد المالية، وربما ينقلبون ضدها ويتحالفون مع الجيش. فتحولت هذه القوات، التي كانت في البداية وحدة شبه نظامية تعمل تحت مظلة الحكومة، إلى قوة مستقلة متورطة في جرائم جسيمة جعلت معظم السودانيين يعتبرونها تهديدًا مباشرًا لأمنهم واستقرارهم.
وعلى مدار العقد الماضي، تورطت قوات الدعم السريع في العديد من الجرائم والانتهاكات التي عززت العداء الشعبي ضدها، خاصة بسبب ممارساتها القمعية في دارفور. فقد اتُهمت بتنفيذ عمليات قتل جماعي، واغتصاب، وحرق القرى، ونهب الممتلكات، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من المدنيين.
كما استخدمت قوات الدعم السريع العنف المفرط ضد المحتجين خلال الثورة السودانية التي أطاحت بنظام البشير في 2019، وارتكبت مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في يونيو من نفس العام، حيث قُتل المئات وجُرح الآلاف، وتعرضت العديد من النساء للاغتصاب.
ومع اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، مارست هذه القوات أعمالًا وحشية في عدة مدن، حيث اتُهمت بقتل المدنيين، ونهب البيوت والأسواق، واستخدام العنف الجنسي كسلاح في الحرب. كما قامت باحتلال المستشفيات وتحويلها إلى قواعد عسكرية، مما فاقم الأزمة الإنسانية.
التهجير القسري ونهب الممتلكات
مع استمرار القتال، أصبحت قوات الدعم السريع معروفة بنهب الممتلكات العامة والخاصة، وتهجير السكان قسريًا من منازلهم، خاصة في العاصمة الخرطوم ودارفور. هذه الجرائم جعلت معظم السودانيين يعتبرونها ميليشيا خارجة عن القانون، لا تسعى إلا للسيطرة ونهب موارد البلاد.
يرى الكاتب والمحلل السياسي السوداني ضياء الدين بلال أن الانهيار السريع لقوات الدعم السريع يرتبط بعدة عوامل، من أبرزها التكتيكات والاستراتيجيات التي اعتمدها الجيش السوداني في قتاله ضد هذه القوات.
قبل اندلاع النزاع، وصل قائد الميليشيا محمد حمدان دقلو “حميدتي” إلى مستوى من الثراء لم يبلغه أي أمير حرب آخر في السودان، حيث كان يتحكم في إمبراطورية مالية متنامية تشمل التعدين في الذهب، والتجارة الإلكترونية، والعقارات، إضافةً إلى امتلاكه أسهمًا في مصرفين على الأقل.
وقد يطفو على السطح خيار آخر أمام قوات الدعم السريع، يتمثل في إحكام السيطرة على دارفور والتلويح بالانفصال. فبعد الإخفاق في هزيمة الجيش وإجباره على التفاوض من موقع ضعف، ومع مقتل معظم قادة الدعم السريع الذين كانوا يحظون بمصداقية بين المكونات الاجتماعية في دارفور، تراجع الطموح الأول المتمثل في السيطرة على السودان، واتجهت القيادة لإعادة ترتيب المشهد السياسي بما يخدم مصالحها.
لم تكن عداوة معظم الشعب السوداني لقوات الدعم السريع وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة طبيعية لسلسلة طويلة من الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها هذه الميليشيا بحق المدنيين. فكل مجزرة، وكل عملية نهب، وكل انتهاك لحقوق الإنسان عمّق الهوة بين هذه القوات والشعب، الذي لم يرَ منها سوى القتل والتشريد والفوضى.
اليوم، وبعد كل ما حدث، أصبح واضحًا أن مصير قوات الدعم السريع مرتبط بذاكرة شعب لن ينسى مظالمه، ولن يقبل بوجود قوة تهدد حريته وكرامته. وتزداد المطالبات بضرورة تفكيك هذه القوات ومحاكمة قادتها، كخطوة أساسية نحو بناء سودان مستقر وعادل.
عبد الشكور قوريري سهل
راتب صومالي