أكتوبر 29, 2025

الأستاذ/ عبد الشكور قوريري سهل: بين الولاء والسيادة: كيف تحولت زيارات الإمارات إلى بوابة الخلاف بين الحكومة الفيدرالية والأقاليم؟

تشهد السياسة الصومالية منذ سنوات حالة من التجاذب المستمر بين الحكومة الفيدرالية ورؤساء الولايات، لا سيما في ملفات النفوذ الخارجي. وفي كل مرة يعود فيها أحد قادة الولايات الصومالية من زيارة رسمية أو غير معلنة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، تندلع أزمة سياسية جديدة تعيد فتح النقاش حول السيادة، والولاءات، والعلاقات الخارجية الموازية التي تمارسها الأقاليم بمعزل عن الدولة المركزية.

الإمارات: شريك اقتصادي أم لاعب سياسي؟

منذ تدخلها النشط في شؤون القرن الإفريقي، أصبحت الإمارات لاعبًا إقليميًا مؤثرًا في السياسة الصومالية. ورغم أن العلاقة بين مقديشو وأبوظبي مرت بفترات من التوتر والفتور، فإن الإمارات حافظت على قنوات اتصال نشطة مع رؤساء الأقاليم، خصوصًا بونتلاند وجوبالاند، الأمر الذي أثار شكوك الحكومة المركزية في مقديشو.

غالبًا ما تُعقد هذه الزيارات بعيدًا عن أعين الحكومة الفيدرالية ودون تنسيق معها، ما يثير تساؤلات حول طبيعتها وأهدافها. ويرى مراقبون أن هذه اللقاءات تُستغل لترسيخ محاور سياسية بديلة تضعف قبضة مقديشو على القرار الوطني.

زيارات تُشعل الخلافات

يتكرر السيناريو ذاته: يزور رئيس أحد الأقاليم الإمارات، يلتقي مسؤولين، يوقّع اتفاقيات أو يتلقى دعمًا ماليًا، ثم يعود ليصطدم برفض الحكومة الفيدرالية، التي ترى في هذه التحركات تجاوزًا لسيادة الدولة وانتهاكًا لبروتوكولات السياسة الخارجية.

فعلى سبيل المثال، شهدت العلاقة بين الحكومة الصومالية وبونتلاند توترات متكررة بعد زيارات متعددة لرئيس الإقليم إلى أبوظبي، كان آخرها في عام 2024، حيث أعربت الحكومة عن اعتراضها على “التنسيق المباشر مع دولة أجنبية دون الرجوع إلى السلطة الفيدرالية”.

ما وراء الزيارات؟

على الرغم من أن قادة الأقاليم يبررون زياراتهم بأنها “تهدف إلى خدمة شعوبهم وجلب الدعم التنموي”، إلا أن الواقع السياسي يوحي بأنها تحمل في طياتها رغبة ضمنية في ترسيخ استقلالية أكبر عن المركز، وربما بناء تحالفات خارجية تساعدهم في مواجهة ضغوط الحكومة الفيدرالية.

وفي المقابل، تخشى مقديشو من أن تؤدي هذه العلاقات الثنائية إلى نشوء كيانات سياسية مدعومة خارجيًا، تُضعف وحدة القرار السياسي، وتفتح الباب أمام تدويل الخلافات المحلية.

زيارات الإمارات وبدايات الأزمات السياسية

شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من الزيارات قام بها رؤساء بعض الأقاليم الفيدرالية إلى دولة الإمارات، وغالبًا ما أعقب هذه الزيارات اندلاع أزمات سياسية حادة مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو.
فعلى سبيل المثال، قام رئيس ولاية بونتلاند السابق بزيارات متكررة إلى أبوظبي، وفور عودته، تفاقمت الخلافات مع الحكومة المركزية، لا سيما في ملفات الانتخابات وتقاسم السلطة. وكذلك الحال مع رئيس ولاية جوبالاند، الذي أثارت زيارته للإمارات عام 2020 توترًا كبيرًا، حيث اتهمت الحكومة الفيدرالية بعض الأقاليم بإبرام اتفاقات خارجية دون علم الدولة، مما عمّق الفجوة السياسية.

ومن أحدث هذه الحالات، زيارة رئيس ولاية جنوب الغرب، عبد العزيز لفتاغرين، إلى الإمارات في الشهر الماضي، والتي جرت بشكل غير معلن.

وقد أعلنت إدارة جنوب غرب الصومال مؤخرًا عن تمرد مسلح يُجرى التحضير له في العاصمة مقديشو، ويهدد أمن واستقرار الولاية.

وفي مؤتمر صحفي عقده اليوم في مدينة بيدوا، صرّح وزير الإعلام في ولاية جنوب الغرب، محمد إبراهيم بلال، أن هذا التمرد يستهدف زعزعة الاستقرار والسلام في المنطقة.

 

نحو إطار دستوري واضح

تعكس هذه التطورات غياب آلية واضحة تُنظّم العلاقات الخارجية بين المركز والأقاليم. فالدستور الفيدرالي لم يُفصل حتى الآن في حدود صلاحيات الأقاليم بهذا الشأن، ما يترك الباب مفتوحًا لتفسيرات متباينة تُوظف حسب الظروف السياسية.

ومن هنا، تبرز الحاجة الملحة إلى إصلاحات قانونية ودستورية تُحدد بدقة دور الأقاليم في الشؤون الخارجية، وتُلزمها بالتنسيق الكامل مع الحكومة المركزية، حفاظًا على وحدة القرار الوطني وسيادة الدولة.

تجارب مشابهة

شهدت دول مثل السودان واليمن وليبيا تحوّلات خطيرة حين تحولت الخلافات بين المركز والأقاليم إلى صراعات مسلّحة تغذيها تدخلات خارجية وتحالفات إقليمية متضاربة. ففي السودان، أدى التنازع بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى تفكك مؤسسات الدولة ودخول البلاد في حرب أهلية مدمرة. أما في اليمن، فقد مهّدت الانقسامات بين الحكومة المركزية والحوثيين ثم المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تعدد مراكز النفوذ وتدويل الأزمة.

وفي ليبيا، أسهمت ولاءات الفصائل المسلحة للخارج في استمرار الانقسام السياسي والأمني. ويخشى مراقبون أن يسلك الصومال الطريق ذاته، إذا استمرت بعض الأقاليم في بناء علاقات خارجية بمعزل عن الدولة المركزية، ما قد يؤدي إلى خلق كيانات موازية تُقوّض وحدة الدولة وتفتح الباب لصراعات داخلية ذات طابع إقليمي ودولي.

الخلاصة

تكشف هذه الزيارات المثيرة للجدل عن أزمة ثقة متجذرة داخل النظام الفيدرالي في الصومال، حيث تحوّلت العلاقات الخارجية إلى أدوات للصراع الداخلي. ويبقى السؤال مطروحًا: هل نحن أمام فيدرالية تشاركية حقيقية، أم أمام أقاليم تسعى لرسم سياسات خاصة بها بمعزل عن الدولة؟

عبد الشكور قوريري سهل

كاتب صومالي

Written by admin
×