ديسمبر 11, 2024

الأستاذ/ عبدالشكور قوريري سهل: حلم الصومال الكبير

تعيش العرقية الصومالية في منطقة القرن الأفريقي حيث مثلت تاريخياً الأغلبية فيها، ويضم الصومال الكبير كلاً من: الصومال وجيبوتي وأوغادين والمحافظة الشمالية الشرقية (المنطقتان الأخيرتان تديرهما حالياً إثيوبيا وكينيا، على التوالي)، كما تقدر مساحة الصومال الكبير بنحو مليون كلم2، وكانت تعرف في الماضي باسم شبه الجزيرة الصومالية. والإسلام هو الدين السائد في الصومال، حيث يعتنق الغالبية العظمى من الشعب الإسلام على مذهب السنة وفق العقيدة الأشعرية، ويتبعون الفقه الشافعي، والإسلام جزء أساسي من الهوية الثقافية والاجتماعية للصوماليين، ويلعب دورًا كبيرًا في حياتهم اليومية وعاداتهم وتقاليدهم.

والصومال الكبير هو مفهوم قومي يرتبط بالرؤية الوحدوية لبعض الصوماليين الذين يطمحون إلى توحيد جميع الأراضي التي يقطنها الصوماليون تحت دولة واحدة، وايضا الوحدة الصومالية هي رؤية توحيد هذه المناطق كأمة واحدة تحت علم صومالي واحد، كما تعد الصومال بلداً ذا تاريخ غني وحضارة قديمة، وتمتلك الصومال ثقافة وتاريخ مميزة، حيث كان الصومال موطنًا لحضارة عريقة تعود إلى العصور القديمة، ولكن لسوء الحظ تعرضت لهجمات استعمارية وسياسات التفرقة والتمزيق قسمت أرضهم وشتت شملهم حيث تم تقسيم اراضيهم بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والحبشة وكينيا وسمي كل قسم باسم الدولة المستعمرة، فهناك:

الإقليم الأول: يمثله جزأ من دولة جيبوتي، التي كانت القوات الفرنسية تحتلها ونالت استقلالها عام 1977 ويتقاسم فيها الصوماليين الحكم مناصفة مع العفريين.

الإقليم الثاني: هو أوجادين أو ما يعرف بالصومال الغربي، والذي ضمه الاحتلال البريطاني إلى أثيوبيا عام 1954 ويجاهد أهله المسلمون لتحريره إلى الآن وهذا الإقليم يمثل خُمس مساحة الدولة الأثيوبية والمستقطع في الأصل من أرض الصومال الكبير، حيث أصبح أساساً لصراعات القرن الإفريقي إلى اليوم.

الإقليم الثالث: إقليم الشمالية الشرقية “NFD” الذي ضمته كينيا إلى أراضيها عام 1963. وهي ثالث أكبر محافظة في كينيا،

الإقليم الرابع: وهو أرض الصومال البريطاني (صوماليلاند) الذي يقع شمال غربي البلاد، وأعلن استقلاله عام 1991، فأنه لم تعترف به أية دولة أخرى أو مؤسسة دولية.

الإقليم الخامس: وهو الذي يحمل اسم الصومال الآن وعاصمته مقديشو ويقع جنوب ووسط الصومال الكبير، واستقل من الاحتلال الإيطالي عام 1960، ويقع شماله إقليم “أرض بنط” الذي يهدف للحصول على حكم ذاتي ولا يطالب بالاستقلال.

وتذكيرا بهذه التقسيمات الاستعمارية الخمسة فإن العلم الصومالي يتكون من نجمة خماسية بيضاء على لون أزرق سماوي، حيث ترمز النجمة إلى الأجزاء الخمسة للصومال الكبير، الذي قسمه الاحتلال البريطاني والإيطالي والفرنسي إلى دويلات صغيرة تدمرها الصراعات، كما تشير الزرقة إلى الأفق حيث يلتقي البحر بالسماء. وقاوم الصوماليون جميع قوات الاحتلال، ووصلت المقاومة ذروتها بإعلان الزعيم السيد محمد عبد الله حسن الصومالي الجهاد ضد المستعمرين بجميع أنواعهم ابتداء من عام 1899م، واستمر في جهاده حتى توفي عام 1920م، ومن بعده تواصلت المقاومة بأشكال مختلفة في الجنوب والشمال وكان من قادتها الشيخ حسن برسني والشيخ بشير وغيرهم، وكانت سبب تنافس الدول الكبرى علي الصومال منذ مؤتمر برلين بين 1884-1885، الناحية الجغرافية وهو ما أدى إلى تقسيم الصومال بين ثلاث قُوَى استعمارية أوروبية هي بريطانيا، فرنسا وإيطاليا، مع قوة إفريقية محلية هي دولة الأحباش وعاصمتها آنذاك أكسوم.

وبدأ مفهوم الصومال الكبرى في التطور مع ولادة دولة الصومال، كدولة موحدة يسكنها جميع الصوماليين في مناطق “القرن الأفريقي” وإعادة توحيد هذه المناطق لتشكيل دولة صومالية واحدة، وأدى السعي لتحقيق هذا الهدف إلى صراعات، حيث انخرطت الصومال بعد الحرب العالمية الثانية في حرب أوجادين مع إثيوبيا على المنطقة الصومالية، ودعمت المتمردين الصوماليين ضد كينيا. وفي عام 1946، اختارت رابطة الشباب الصومالية مدينة هرر كعاصمة مستقبلية للصومال الكبرى وأرسلت بعد ذلك مندوبين إلى مكتب الأمم المتحدة في مقديشو للكشف عن هذا الاقتراع، ولقد تسبب تمسك الصوماليين بهدف الصومال الكبير في نشوء حالة من العداء المزمن بينها وبين جيرانها خاصة إثيوبيا، ما أدى إلى نشوب اشتباكات وحروب متعددة بين الجانبين منذُ بداية الستينيات، كان أخطرها حرب استرجاع إقليم “الأوغادين” عامي 1977-1978.

وفي أعقاب اندلاع الحرب الأهلية الصومالية في أوائل التسعينيات، تم تقسيم الصومال إلى كيانات سياسية مستقلة مختلفة، ما أدى إلى إضعاف مفهوم الصومال الكبير بشكل كبير، كما ساهمت الصراعات الداخلية المسلحة والسياسية التي شهدتها المنطقة في تعميق الانقسامات بين الكيانات المختلفة، مما أدى إلى تشتت فكرة الوحدة الشاملة للصوماليين.

ونتيجة لذلك، شهد دعم مفهوم الصومال الكبير انخفاضًا حادًا، حيث بدأت بعض مجتمعات الشتات الصومالية في دعوات إلى الحكم الذاتي أو الاستقلال بدلاً من الاتحاد الكامل للصومال الكبير، وهذه التحولات تظهر التغيرات الكبيرة في الطموحات السياسية والاجتماعية للصوماليين عبر الأجيال، حيث أصبحت الأسئلة المتعلقة بالهوية والانتماء والسيادة محورًا للكثيرين منهم في الشتات وعبر الداخل. وإضافة إلي ذلك المشهد السياسي والاجتماعي الجديد في منطقة القرن الأفريقي يظهر تعقيدات تتعلق بالهويات والحدود والاستقلالية، ومع أن مفهوم الصومال الكبير قد خفت بريقه مقارنةً بالسابق، فإنه يظل جزءاً من الذاكرة الجماعية والسياسية للصوماليين، وهذا يدعو إلى فهم أعمق للعوامل التي تؤدي إلى هذه التحولات والانقسامات.

ورغم كل التحديات والتدخلات الأجنبية والمشاكل الفيدرالية وضعف الحكومة، يظل حلم الصومال الكبير حياً ومعظم الصوماليين يدركون أهمية توحيد الصومال تحت كيان واحد يمثل الجميع، مستلهمين من حلم الأجداد ألا وهو تحقيق الصومال الكبرى أو العظمى بحدودها الطبيعية المعروفة قبل مجيء الاستعمار، كما يبقى مفهوم “الصومال الكبير” دائماً وأبداً جزءًا من الهوية القومية والثقافة الصومالية، ويُذكّر بالماضي المشترك للشعب الصومالي.

في الختام، يمكن القول إن مفهوم “الصومال الكبير” يحمل بين طياته أبعاداً تاريخية وجغرافية وثقافية عميقة تؤثر على الشعوب في القرن الإفريقي وان السعي نحو وحدة أكبر للصوماليين يظهر الرغبة في تجاوز العقبات الاجتماعية والسياسية التي فرضتها التحديات الإقليمية والدولية عبر العقود الماضية، وأن تحقيق هذا الطموح يتطلب جهوداً دبلوماسية وتنموية كبيرة، وإنشاء جيش قوي يمثل جميع الصوماليين، وتكوين جيل واعي، لان تكوين جيل واعي ومتعلم يعرف تاريخه يظلان مفتاحين أساسين للوصول إلى مستقبل أرحب وأكثر استقرارًا، كما أن تطلعات الشعوب نحو التكاتف والوحدة تستحق أن تُعامل بجدية واحترام، حيث يمكن بواسطة التعاون والعمل المشترك تحقيق الازدهار والتنمية المنشودة في المنطقة.

ولذلك لكي نستعيد حلم أجدادنا “الصومال الكبير” مرة أخري، علينا أن نقرأ تاريخنا جيدا حتى نستخلص منه الدروس والعبر، ونتغلب على التحديات ألتي نواجهها بحكمة أجدادنا، لأن التحديات التي نواجهها اليوم لم يسبق أن شهدنا مثلها في تاريخنا، وأيضا لابد أن نحاول جمع ما استطعنا من علم ومعرفة، ونمرر رسائل ألتفاؤل والمضي قدما لبناء مستقبل مشرق لنا، والاستسلام ليس من شيم ألصوماليين، وأهم عوامل قوة أمة من الأمم هو الاتحاد، وبالاتحاد تنال الأمم مجدها وتصل إلى مبتغاها وتعيش حياة آمنة مطمئنة.

عبدالشكور قوريري سهل

كاتب صومالي

Written by admin
×