في هذه الإطلالة يقدم الكاتب نبذة عن القبائل الصومالية في الماضي والحاضر
ما قبل الاستمار
في الماضي كان الشعب الصومالي عمومًا معروفًا بأخلاقه الطيبة واحترامه ولطفه فيما بينهم ومع جيرانهم رغم ان الصومال يتسم أهلها بالطابع القبلي كما في الدول العربية والإفريقية المجاورة له, وينتشرون في مساحة تقدر بنحو مليون كلم2 ويُطلق عليها “الصومال الكبير” وتقع بعض أجزائه الآن غربي إثيوبيا وشمالي كينيا بعد تقسيم ارضهم ويعتبر مجتمعًا قبليًا وتلعب القبيلة دورًا أساسيًا في جميع مناحي الحياة.
وايضا كان لدى القبائل الصومالية نظام تقسيم العمل حسب الجنس والعمر، حيث يتركز عمل المرأة على تربية الأولاد وإدارة المنزل وفي بعض الأماكن بجلب المياه من الآبار والمستنقعات القريبة أو متوسطة المسافة، ورعي الماشية وخاصة الضأن والماعز، وكذلك المرأة تلعب دوراً كبيراً في عملية إحلال السلام بين القبائل المتحاربة وخاصة إذا كانت الحرب بين قبيلة المرأة وقبيلة زوجها، فالمرأة لديها حصانة في أوقات الحروب ولذلك فإنها تحمل الرسائل بين الأطراف المتحاربة، وفي بعض المناطق عندما يتصالح الطرفان المتحاربان فإنهما يتبادلان الزيجات ويتصاهران حتى تتوثق الصلات, وغالبا إذا حدث قتال بين القبايل كان العلماء والشيوخ يتدخلون على الفور ويحلونه.
أما الرجل فكان يتركز عمله بالبحث عن مركز صالح لسكن الأسرة، ومن لوازمه الأساسية أن يكون خالياً من الحيوانات المفترسة وبعيداً عن مناطق الصراع القبلي وأن تتوفر لديه الأعشاب ويقع على بعد مسافة معقولة من مصادر المياه وأن يكون خالياً من الأمراض التي تصيب الإنسان والماشية ولهذا يقوم الرجال بحركات استطلاعية ” Sahan ” للحصول على هذا المركز لتنتقل إليه الأسرة بعد مكوثها بالمركز القديم فترة من الزمن والذي يتراوح في الغالب ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر, كما أن الرجال مسئولون عن رعي الإبل وحفر الآبار، وشراء حاجات الأسرة من مأكل وملبس من القرية أو المدينة إضافة إلى المسائل المتعلقة بإدارة الحرب والسلام والمشاركة في إدارة شئون مجموعته.
والمجتمع الصومالي قبل الستعمار كان ينعم بالأمن والاستقرار، والتكافل والتراحم، في ظل النظام القبلي وفي كنفه حتى مجيء الاستعمار إلى أرضه وإذا حدث قتال بين العشائر كان العلماء والشيوخ يتدخلون على الفور ويحلونه. فالشعب الصومالي شعب عريق ذو أصالة إسلامية وحمية دينية قهرت كل محاولات التنصير الفرنسية والبرتغالية والإيطالية والبريطانية والحبشية ، فالشعب الصومالي مسلم بنسبة (100%) ، وهذا ما يجعل خبراء الغرب والكنائس الغربية يستشيطون غضبا على هذه الدولة الفقيرة الجائعة التي يأبى شعبها إلا الإسلام أو الموت دونه.
فقد تم اعتماد تقسيم الشعب الصومالى نفسه إلى قبائل متناحرة، وهو ما تم تداوله أكاديميا ومن ثم عالميا. ذلك أنه غالبا فى الدراسات الأكاديمية فى التاريخ أو السياسة ما يتم وصف المجتمع الصومالى بالقبلية والعشائرية، فى حين أنه خلال فترة الحكم الاستعمارى للصومال لم تكن العصبية القبلية واضحة إلى ذلك الحد، حيث أن قضية التحرير من الاستعمار كانت عاملاً من عوامل وحدة الصف الصومالى.
والجدير بالذكر أن القبيلة قد لعبت دوراً حيوياً للتلاحم الوطنى فى مواجهة كلاً من الاستعمار الأوروبى والإثيوبى معاً، الأمر الذى أدى إلى احتواء أى آثار سلبية لفكرة القبيلة تلك خلال مراحل النضال الصومالى، وذلك رغم ما كان يعمل عليه الاستعمار من إزكاء لروح الخلافات والعصبية بين العائلات الصومالية الكبرى. وكذلك كان الصومال دائماً الدرع الحامي للمشرق الإسلامي واستطاع بالفعل كبح جماح الغزو البرتغالي الغربي لفترة طويلة, ولكن تعرضوا لهجمات استعمارية قسمت أرضهم وشتت شملهم.
عموما, الشجاعة والكرم هي الخصلة لصيقة للمجتمع الصومالي وهي معروفة، والتي جعلت الصومال الصغيرة من حيث العدد أن تعيش مع إثيوبيا التي تفوق عددها تسعين مليون نسمة، ومقاومه الشعب الصومالي طيلة التاريخ ضد القوة المسيحية في المنطقة التي تدعمها القوات المسيحية العالمية.
اما العائلة عند الصوماليين هي حماية في وقت الحاجة وعند الخطر، وهي الضمان له فلا يجد نفسه في غير حاجة إلى أن يواجه تقلبات الحياة وحيداً منفرداً، ولذلك ففي ظل شروط الدفاع والمعونة المتبادلة لعب النظام الأسري دوراً هاماً للغاية في الحياة الصومالية، ومن السمات الرئيسية للمجتمع بين البدو والرعاة في الشمال الدية التي يدفعها أقرباء الشخص الجاني متضامنين لهم يدفعون له تعويض الدم ويأخذون عنه الدية. ففي أي نزاع يحدث بشأن الماء أو المراعي تتحد كل جماعة متضامنة في دفع الدية متحملين مسئولية مشتركة تجاه الجماعات الأخرى، أو إذا اعتدت على قطيع جماعة ما أو أتلفت ممتلكاتها فإن الجماعة المشار إليها تطلب تعويضاً طبقاً لنظام الدية التقليدي.
وفي معظم المناطق يكون التعويض عن حياة الرجل مئة جمل، وبعد أن تتم الترضية يقسم الدين بين الأعضاء الذكور في الجماعة ولذلك فإن ما يقوم به الفرد يصبح مسئولية الجماعة كلها وأن الفرد ليعتبر حينما يعزم على القيام بعمل ما أنه سوف لا يورط نفسه فقط بذلك العمل وإنما يورط أقاربه كلهم معه.
وخلال القرن التاسع عشر وبعد انعقاد مؤتمر برلين عام 1884، أرسلت الإمبراطوريات الأوروبية العظمى جيوشها إلى منطقة القرن الإفريقي بغية السيطرة على هذه المنطقة الإستراتيجية في العالم مما دفع الزعيم محمد عبد الله حسان، مؤسس الدولة الدرويشية، إلى حشد الجنود الصوماليين من شتى أنحاء القرن الأفريقي واندلعت واحدة من أطول حروب المقاومة ضد الاستعمار على مدار التاريخ.
بعد الاستعمار
.
في عام 1960 اسست الدولة الصومالية الحالية على أنقاض إقتسام القرن الأفريقي بين الامبراطورية البريطانية والفرنسية والإيطالية والأثيوبية فى الحقب التاريخية المعروفة بفترة تدافع الأوربيين لاقتسام أفريقيا فى القرن التاسع عشر ، و تم ترسيم الحدود السياسية الحالية لجمهورية الصومال تنفيذاً لمعاهدات بين قوى الاستعمار المحتلة لوطن الصومال. ولا تشكل هذه الحدود المصطنعة التي رسمها المستعمر إلي تمزيق موطن المجتمع الصومالي الطبيعي إلي خمسة اشلاء الحدود الطبيعية لمجتمع الصومال الكبير.
وفى عام 1991م وبعد عقدان من حكم العسكر سقط النظام الدي وصل حكم البلاد بانقلاب عسكري بعد اغتيال الرئيس عبدالرشيد علي شرماركي أثناء قيامه بزيارة لمدينة لاسعانود, وبدأت حرب الأهلية فى الصومال وصفت بأنها واحدة من أسوأ الصراعات الداخلية فى القارة الأفريقية فعليا بين الجبهات المسلحة التى إستطاعت إسقاط النظام لتتطور بعدها إلى صراعات قبلية بين جبهات المعارضة الدين كانو متحالفين ضد النظام اللواء سياد بريود واصبح كل قيادي من الجبهات التي أسقطت الحكم العسكري ان يعتبر نفسه أنه هو من له الحق بالتمثيل للمرحلة القادمة.
ودخلت البلاد عصر جديد فانشت كل قبيلة تمتلك الموارد والدعم من عدو الأمس بتأسيس دويلات وأصبح الصومال نسخة من ممالك الأندلس فكل قبيلة عملت لها كيانها الخاص وعلمها الخاص ورئيسها الخاص وجيشها الخاص والبعض وصل به الأمر إلى فتح سفارات وهمية لا تتعدى حدودها إثيوبيا وكينيا والبعض يسرف أموالا خيالية على حساب المساكين من شعب قبيلتهم لنيل الاعتراف والاستقلال ويشعل الكراهية ليل نهار لتفكيك القومية الصومالية.
وكذلك ظهر ما يسمى بـ “المنتفعين من الحروب”، الذين جعلو هدفهم التحريض على الصراع بين القببائل الصومالية وتحريض ضد بعضها البعض. فمنهم من يسعي للاشتعال بالفتنة واخر يسعى للثروة “تجارالحروب”. فى حين أنه خلال فترة الحكم الاستعمارى للصومال لم تكن العصبية القبلية واضحة إلى ذلك الحد، حيث أن قضية التحرير من الاستعمار كانت عاملاً من عوامل وحدة الصف الصومالى.
وبعد عقد ونصف عقد من الفوضي والصراعات في عام 2006 استطاع تنظيم المحاكم الاسلاميه مجموعة العلماء والمصلحين والتجار الذين ضاقوا ذرعا بتصرفات أمراء الحرب واستهتارهم بالحياة الإنسانية ومستقبل البلاد وبجانب الشعب الصومالي من السيطرة على مقديشو وأجزاء كبيره من الصومال وحقق انتصار كبيرا وهزمو علي قرابة عشرة فصائل من أمراء الحرب وانتهت نفوذ زعماء الحرب الذين كانو يسيطرون على العاصمة منذ اندلاع الحرب الأهلية في الصومال عام 1991, وقد أعطى هذا الحدث الأمل للسكان في استعادة نظام سلطة أكثر شمولاً وخضوعا للمساءلة وكتبت وكالة “رويتر” ذلك الوقت في تقرير لها من الصومال يوم 30 أكتوبر 2006 للحديث عن استقرار الصومل بعد طرد امراء الحرب من مقديشو وانتعاش الاستثمار في الصومال بفضل سيطرة المحاكم الاسلامية.
ولكن عندما رأت امريكا أن المحاكم الاسلامية جاد في بناء دولة صومالية قوية ومتماسكة شعرت بالقلق إزاء احتمال وجود موطئ قدم “إسلامي” في القرن الأفريقي, وقررت القضاء عليه بواسطة القوات الاثيوبي لان امريكا كانت دائما تريد استمرار الفوضي والصراعات في الصومال. وبدات تجميع زعماء الحرب وعملائهم في الخفاء وتدريبهم وتسليحهم لمواجهة نظام المحاكم الاسلامية الدي غير احوال البلاد.
وبعدها غزت إثيوبيا الصومال ونصبت في مقديشو الحكومة الفيدرالية الصومالية القبلية التي تشكلت في نيروبي. ودخلت إثيوبيا في عام 2007 في حرب ضد المحاكم الإسلامية وتمكنت من إزاحتها وحققت حلمها عن احتلال الصومال لكن في بداية عام 2009 إثيوبيا وجدت نفسها قد دخلت مازق مع المقاومة الصومالية فقررت الانسحاب من الصومال تاركة هذا البلد لزعماء العصابات وحكومات هشة من جديد, ومنذ ذلك الحين زادت الفوضى والحروب بين القبائل، وشكلت كل قبيلة حكومة فديرالية تعمل كدولة مستقلة تعمل اتفاقيات مع حكومات وشركات اجنبية.
وبحسب الخبراء دائما كانت فكرة الفيدرالية مبادرة من الحكومة الإثيوبية واجتماعاتهم وكانوا من يقفون وراءها, وهي مبنية على نموذجهم للفيدرالية، حيث تتكون إثيوبيا اكثر من 90 مجموعة عرقية لها لغات وثقافات وديانات مختلفة. لذلك أعادت ببساطة إنتاج شكلها من الفيدرالية في الصومال، على الرغم من معرفة أن من المستحيل تنفيذ الفديرال في الصومال لأن الصومال واثيوبيا مختلفون تمامًا عن بنيتهم العرقية الاجتماعية وليس لديهم أي شيء مشترك. ولذلك كانت الفيدرالية وهيكل تقاسم السلطة 4.5 بين القبائل الصومالية نتيجة للاطماع الإثيوبية.
وفي السنوات الاخيرة شهدت الصومال أحداثا غير مسبوقة على جميع الأصعدة من حروب وصراعات عسكرية بين القبائل الصومالية وأسفرت عن مئات القتلى والجرحى في شرق البلاد وغربها وجنوبها ووسطها وسبب كل هذه الاحداث والصراعات هو النظام الفديرالي القاتل والدي صار العامل الوحيد الذي أضعف الصومال وجعله لقمة سائغة للأعداء هو التفكك والتناحر الداخلي بين القبائل ومن المؤسف أن الصوماليين لم يفهموا ذلك بعد.
وتدور اليوم الصراعات القبلية في كل الولايات الفديرالية وألحقت أضرارا كبيرة بالبنية التحتية المحلية، بما في ذلك المنازل وفتحات المياه، حيث تقاتلت القبائل على المطالبات الإقليمية وفي كل عام يموت مئات الأشخاص في الصراع بين العشائر.
يمكن القول إن هناك أكثر من سبب يستدعي الصراعات والتوتر بين القبائل في الصومال، منها التدخلات الاجنبية من دول ومنظمات دولية التي لم تتوقف منذ استقلال الصومال في عام 1960 وقبلها, وايضا النطام الفديرالي الذي لم يحدد بعد طبيعته ويراد تطبيقه في الصومال يلعب دورا كبيرا في نشوب الصراعات القبلية الحالية, وكما نعلم ان مشكلة الصومال دائما هو الغرب الدي يسعى دائما إلى افتعال حرب وفوضي في الصومال لإبقائه ضعيفًا ومشتتًا واذا استمر الوضع على ما هو عليه من بقاء التأزم الأمني والتدخلات الخارجية الإقليمية والدولية سيفضي في النهاية إلى أن يصبح الوضع اسوأ من الان.
وايضا عدم وجود حكومة مستقرة, واستمرار عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في الصومال يخلق بيئة يمكن فيها للقبائل استغلال الانقسامات والتنافس على السلطة, وايضا توفر السلاح في البلاد ووجود كمية كبيرة من السلاح في أيدي القبائل يساهم بشكل كبير في اندلاع المواجهات العشائرية كما قادت إلى مرور الدولة بمراحل الفشل والسقوط والحرب الأهلية وفشل مساعي إعادة البناء واستمرار التهميش الإقليمي والدولي.
.
وللاسف نشاهد اليوم بأم أعيننا بعض السياسين ومعطم الشباب الصومالي في المواقع التواصل لا همَّ لهم إلا تفريق الامة، وبث بذور الاختلاف والصراع بينهم، ونراهم لاهثين في البحث عن كل ما من شأنه تشتيت ما بقي من أشلاء هذه الأمة إلى مِزق، من تجمعات محدودة لا تتطلع إلى علياء من اجل مصالحهم الاصة وهم لايعرفون مدي خطورة هذا الامور.
وعلاوة علي ذلك ان النخب السياسية التي تحكم الصومال اليوم كلهم فشلو في ادارة البلاد وحفط كرامة الشعب الصومالي وامنه واستقلاليته, وتشهد الصومال حاليا وبعد مرور اكثر من نصف قرن من استقلاله عجزا تاما في إدارة البلاد والعباد بسبب فشل الدولة المتمثل في عدم تمتعها بشرعية قوية في أنحاء الدولة ، فاقدة لمكونا ت العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين ، حيث بضرب الفساد والتمثيل السياسي الضعيف والقبلية وإساءة استخدام القوة العسكرية وادي هذا الترتيب الوضع الدي نراه اليوم.
وختاما, أن الأمور لن تسير بالكمال وارادة الشعب الصومالي وهذا سنة الله في الكون، ليس الشعب الصومالي كما كانت من قبل وبعد دخول الاستعمار في البلاد حارب كل العادات والقيم النبيلة فضلا عن ذلك فإنه نشر عاداته وتقاليده غصبا عنه وان من أكبر المصائب التي ابتليت بها هذه الأمة وفتكت في سواعد قواها، وأطاحت برايات مجدها الاختلاف والتفرق, وايضا من المهم أن ندرك أن أهم عوامل قوة أمة من الأمم هو الاتحاد, وبالاتحاد تنال الأمم مجدها وتصل إلى مبتغاها وتعيش حياة آمنة مطمئنة، وكذلك بالاتحاد تكون الأمة مرهوبة الجانب مهيبة الحمى، عزيزة السلطان, ونسأل الله ان يغير حالنا.
عبدالشكور قوريري سهل
كاتب صومالي