ألقى الرئيس الإنتقالي لاقليم التغراي في إثيوبيا عبر إذاعتهم الرسمية قبل البارحة كلمة قال فيها إنهم إنسحبوا من إتفاقية نزع السلاح التي أبرمتها جبهة تحرير قومية التغراي (TPLF) مع الحكومة المركزية في وقت سابق بعاصمة جنوب أفريقيا بريتوريا، وما لبثت ٢٤ ساعة بعد هذا الخطاب حتى شنت قوات الإقليم يوم أمس حربا شعواء على مدن حدودية متنازع عليها وتسيطر عليها في الوقت الحالي قوات تابعة لقومية الأمهرا، كانت إستولت عليها إبان الحرب الأخيرة بين قومية التغراي وحكومة أديس أبابا.
وكان رئيس الوزراء أبي أحمد قد طالب بالإنسحاب منها بعد إتفاقية السلام، غير أن قومية الأمهرا رفضت بتنفيذ تعليماته.
هذه المرة فإن رئيس الوزراء لا يرغب على ما يبدو بأن ينتصر لقومية الأمهرا ضد التغراي، لأسباب أهمها أن جبهة فانو التابعة لقومية الأمهرا والمدعومة بقوة من إريتريا وربما من جهات أخرى تخوض حربا لا هوادة فيها ضد الحكومة المركزية، وواضح أنها تشكل تهديدا خطيرا عليها، كما سبق وأن رفضت تعليماته بالإنسحاب من المدن والقرى التي سيطرت عليها إبان الحرب الكبيرة مع التغراي، وكانت تخضع لسيطرة قومية التغراي قبل إندلاع الحرب في ٤ نوفمبر ٢٠٢٠م، وهي مناطق تدعي الأمهرا أنها تتبع لها وأخذتها التغراي بمزيج من القوة والتحايل إبان حكمها المطلق للبلاد قرابة ٣٠ عاما، وبالتالي فإن رئيس الوزراء يريد إضعاف قومية الأمهرا وإعادتها إلى حظيرة طاعته.
وسبب آخر هو أن رئيس الوزراء أبي أحمد يعلم يقينا أن قومية التغراي التي تمتلك أسلحة ثقيلة إدخرتها طوال سنوات حكمها لإثيوبيا، وسحبت بعضها وهو أهم القِطَع وأحدثها قبيل إنسحابها من العاصمة أديس أبابا بعد أن خرج الحكم وسيطرة شؤون الدولة من يدها، ولا زال جيشها الأكثر تدريبا وتأهيلا وتماسكا من حيث التراتيبية العسكرية، ويتمتع بخبرة طويلة، وهي الحقيقة التي أغرت رئيس القومية غِيتَاجُو رِيدَا المؤقت بالنقض والتَنَصُل في خطابه الأخير من إتفاقية نزع سلاح جيش التغراي باتفاقية بريتوريا المشهورة في ٢ نوفمبر ٢٠٢٢م، وبناء عليه فإن رئيس الوزراء ينظر بعين الرضا والغِبطَة تجدد إحتدام الحرب بين قوميتي التغراي والأمهرا، مما يعني أن حربا طاحنة كهذه ستضعفهما حتما، وسيكون هو المستفيد في النهاية.
هناك حروب أخرى تشتعل في مناطق أخرى باثيوبيا مثل ما تخوضه الجبهات المسلحة المختلفة بإقليم قومية الأورومو التي ينحدر منها رئيس الوزراء نفسه وسبق أن فشل في إقناعها بأن تصطف خلفه كما كانت تفعل قومية التغراي منذ الأيام الأولى لاستلامها حكم إثيوبيا بفوهة البندقية في بداية عام ١٩٩١م.
من الناحية الأخرى، فإن بعض المراقبين يرون أن شن قومية التغراي لهذه الحرب هو تمويه وبداية فقط للمواصلة إلى الأمام حتى السيطرة على أديس أبابا، ذلك أنه لا مجال للمقارنة بين قوات التغراي المتمرسة في الحروب وبين ما هو متاح في أيدي الأمهرا من قوة عسكرية، ثم إن أحلام قومية التغراي أكبر من إستعادة مدن وقرى خسرتها لصالح قومية أخرى، بل إنها تفكر بحكم ديماغوغي لإثيوبيا، ولا زالت تراودهم أيام كانوا يظهرون وكأنهم يحكمون أفريقيا الشرقية بأكملها من شدة نفوذهم، وكانوا الوكيل المعتمد للولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية الأخرى في شرق القارة السمراء.
كل هذه المعطيات من الصراعات الدموية تدل أن إثيوبيا حبلى بمخاخر ربما لم يأخذها رئيس وزراءها بالحسبان، في الوقت الذي تمتد عينه بالنظر إلى موانئ الصومال بالبحر الأحمر والإستيلاء عليها بالمفاوضات(السلام) أو بالقوة حسب كلامه أمام أعضاء برلمانه وتحقيق ما عجز عنه جميع من سبقوه إلى الحكم في بلاده، وهو على كل حلم قد يؤدي إلى تفكك وتلاشي إثيوبيا إن لم يحتكم إلى العقل والمنطق.
_________________________
ما دلالات إندلاع الحرب بين قوميتي التغراي والأمهرا بإثيوبيا وما هو موقف أديس أبابا منها؟.
بقلم/ عبدالوهاب شيخ رشيد
كاتب ومحلل سياسي صومالي
17 فبراير 2024م