إن الحديث عن السياسيين في الصومال يشبه محاولة شرح “غير المعقول” في رواية عبثية طويلة، حيث يتقنون فن الفشل بطريقة تستحق الإعجاب!، هؤلاء السياسيون نجحوا في شيء واحد فقط وهو تحويل بلد غني بالموارد والتاريخ إلى مسرح كبير للخيبة والانقسامات والصراعات. وبسبب أفعال السياسيين في هذا البلد أصبحت السياسة ليست فن إدارة الدولة، بل هي مسابقة مفتوحة لمن يجيد تقديم وعود أكبر وأكاذيب أجمل، فكل سياسي يبدأ مساره بخطاب وطني حماسي يجعل الشعب يصفق بحرارة، لكن سرعان ما يتحول الخطاب إلى “حكاية قبل النوم”، وينتهي بأن يصبح السياسي مشغولًا بجمع “المغانم” أكثر من الاهتمام بمصالح الشعب.
بينما يُفترض أن يعمل السياسيون على بناء دولة قوية، انشغلوا بلعبة الكراسي القبلية، حيث يتم تقسيم المناصب على أساس العشيرة لا الكفاءة، والنتيجة؟ هي وزارات بلا وزراء فعليين، مؤسسات بلا أداء، وأمة بلا قيادة حقيقية، حتى الاجتماعات السياسية تتحول إلى حفلات جدل وصراعات على من يجلس في الصف الأول، وكأن الأمر يتعلق بمسرحية هزلية لا بمصير أمة، كما انهم بارعون في خلق شعارات ضخمة تجعل المواطن العادي يحلم بمستقبل مشرق لكن، فور انتهاء الخطابات، تجد الشعب يصارع الفقر والجوع بينما ينعم الساسة في قصورهم، شعارات مثل “إعادة الإعمار” و”محاربة الفساد”، وهذه الشعارات ما هي إلا مجرد غلاف جميل لواقع مملوء بالتقصير والفساد العلني.
ولم يكتفوا بالفشل داخلياً، بل قرروا تصديره إلى الخارج بأسلوب احترافي، تحولوا إلى متسولين دبلوماسيين يجوبون دول الخليج وأوروبا بحقائب فارغة، يطلبون المساعدات. فبدل أن يبنوا اقتصاداً قوياً، أصبحوا خبراء في كتابة خطابات الاستعطاف وصياغة قوائم الطلبات، بينما يملؤون جيوبهم ويتركون الشعب يتضور جوعاً، والأغرب أن هذه الجولات “الشحاذية” غالباً ما تنتهي بصورة جماعية مبتسمة مع المسؤولين الأجانب، وكأنهم حققوا إنجازاً عظيماً في تسول جديد، والشيء الوحيد الذي يبدو أن السياسيين الصوماليين يتنافسون فيه بجدية هو من سيفشل أكثر، فكلما ظهر سياسي جديد، توقع الشعب أن يحمل أملاً جديداً، لكن سرعان ما ينضم هذا السياسي إلى قائمة طويلة من “نجوم الفشل”، ويبدأ في اختراع طرق مبتكرة لتعميق أزمات البلاد، أما بالنسبة للتدخلات الأجنبية، فهي بالنسبة للسياسيين ليست مشكلة بل فرصة للتفاوض على مصالحهم الخاصة.
من الجدير بالذكر، أن السياسيين لعبو دورًا كبيرًا في جعل الصومال ساحة للحروب بالوكالة فقد سمحوا بدخول قوات إفريقية متعددة الجنسيات تحت غطاء حماية النظام والديمقراطية ومحاربة ما يُسمى بالمتشددين، لكن الواقع يشير إلى أن هذه التدخلات لم تأتِ لتحقيق السلام أو الاستقرار، بل لتعزيز الفوضى وضمان استمرار الصراعات التي تخدم مصالح القُوَى الإقليمية والدولية. فهؤلاء السياسيون، بدلًا من أن يعملوا على بناء دولة ذات سيادة، فتحوا الباب أمام التدخلات الخارجية، مما جعل الصومال مسرحًا لصراعات معقدة تزيد من معاناة الشعب وتُبقي البلاد غارقة في الفوضى والضعف.
في سط هذا العبث، يبقى الشعب الصومالي الضحية الوحيدة، وهذا الشعب الذي لا يزال يصارع من أجل البقاء في ظل حكومات لا تقدم سوى المزيد من الإحباط والانقسامات ومع ذلك، يستمر المواطن في انتظار سياسي واحد فقط يمكنه أن يكون مختلفاً. والمدهش حقاً هو أن هذا الشعب المسكين، الذي يعانى من الجوع والفقر وانعدام الأمن وصراعات لا تنتهي، لا يزال يجد في نفسه الحماس للدفاع عن السياسيين الذين تسببوا في معاناته، والسبب الأبرز لهذا الولاء العجيب يعود إلى العصبية القبلية التي لا زالت تهيمن على المجتمع الصومالي، فالانتماء القبلي يتغلب على المصالح الوطنية، حيث يرى الكثيرون في الدفاع عن سياسي ينتمي لقبيلتهم وسيلة للحفاظ على مكانة القبيلة أو ظمآن مصالحها، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار البلاد ومستقبلها، وهذه العقلية القبلية تُبقي الصومال في دائرة مفرغة من الفوضى والانقسام، مما يعمق معاناة الشعب أكثر فأكثر.
وهكذا ينشغل الشعب بهذه المأساة محفوف بالخطر ليستمر الظلمة على الكراسي، فيظلموا أبناء الوطن جميعاً على السواء ويأكلوا أموال الجميع، وعندما يسمع الطغاة المستغلون أن أبناء الوطن يتهم بعضهم بعضاً، ويكره بعضهم بعضاً، يضحكون وهم على الموائد الفاخرة، والسيارات الفارهة، وهم يضعون القناطير المقنطرة، من أموال المواطنين جميعاً في جيوبهم وأكياسهم ويسخرون ويمرحون ويستهزئون.
ختاما، يجسد السياسيون الصوماليون مثالًا حيًا على تناقضات السلطة، حيث يتقاطع الذكاء السياسي مع فشل الأداء، في نفس الوقت تتراكم الخطط والأجندات، ويظل المواطن الصومالي هو الضحية الكبرى، متشبثًا بآمال واهية في عدالة غائبة وحكومة مستحقة، فبينما يدافع البعض بشجاعة عن حقوق الوطن والمجتمع، فإنهم يواجهون قُوَى معاكسة تغذيها المصالح الضيقة والانقسامات القبلية، وإن التغيير الحقيقي لن يتحقق إلا بإرادة جماعية تجمع بين محاسبة المسؤولين وإعلاء مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، لتبزغ بذلك فجر جديد يضع حدًا لدوامة الفشل والانقسام،
ولذلك نقول هؤلاء الشرذمة رجاءً إن كنتم لا تخططوا للعمل لمصلحة البلاد، على الأقل أفسحوا المجال لمن يمكنه أن يحاول.
عبد الشكور قوريري سهل
كاتب صومالي