عند النظر في الجانب القانوني، فإن إقليم صوماليلاند إنفصالي، وهو جزء من الصومال، ولم يتم الإعتراف به كدولة مستقلة حتى الآن، بل هي إدارة منشقة من جانب واحد، وأعلنت إستقلالها من تلقاء نفسها، حيث تعترف الأمم المتحدة، والإتحاد الأوروبي، ومنظمة إيغاد، والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بدولة صومالية موحدة ومقرها مقديشو.
وقد وُلدت هذه الدولة الموحدة رسمياً في عام 1960م، وتشكلت من الشمال البريطاني والجنوب الإيطالي. ولا يمكن إعادة إعتراف دولة واحدة مرتين، وهذا ما قالته كل دولة طلبت صوماليلاند منها الإعتراف، لأنه سبق وأن تم بالفعل الإعتراف بالصومال التي تشكل صوماليلاند جزء منها في عام 1960م.
والمجتمع الصومالي في القرن الإفريقي هو المجتمع الوحيد في العالم الذي أستُعمِر من قبل ثلاثة دول أوروبية استعمار ية، هي بريطانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وقسموها إلى دولة مستقلة في جيبوتي، وأخرى إستقلت عام 1960م مكونة من الشمال البريطاني والجنوب الإيطالي، بينما قدمت بريطانيا في شكل هدية إقليمي الصومالي الغربي (أوغادين) وإن إف دي NFD إلى إثيوبيا وكينيا على التوالي، مما يدل أن الشعب الصومالي قد تشبه حالته مثل الأكراد حيث قُطِعت أوصاله بسبب إنتمائه العريق للإسلام في القرن والشرق الإفريقيين.
وعودة على بَدءٍ فإن توقيع إدارة إنفصالية غير معترف بها لن تترتب عنها آثار ملزمة قانونيا، وفقًا للقوانين الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، والإتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة إيغاد، ومنظمة التعاون الإسلامي، لأن أي إتفاق مع إقليم إنفصالي غير معترف به دوليا مع دولة ذات سيادة يُعتبر إتفاقا لاغياً وباطلاً، بإعتبار القاعدة الذهبية أن الشخص “لا يبيع ولا يكري ولا يهب فيما لا يملك” وتنطبق على هذه الإتفاقية بشكل واضح، حيث إنها تؤثر على سيادة الدولة الصومالية الفيدرالية، والمبادئ التي أسست بالإتحاد الإفريقي، وفي بريتوريا بجنوب إفريقيا أجمعت جميع الدول الأعضاء (في الأمم المتحدة) بعدم شرعية تجزئة الدولة الواحدة، وعدم الإعتراف بسلطة جاءت بالانقلاب وإحترام الحدود وفقا لما كانت عليه وقت الإستقلال من الإستعمار وذلك في عام 2002م.
وصوماليلاند جزأ من دولة الصومال قانونيا، إلى أن يقع فراق رسمي وبصورة شرعية يُعلن عنها في مقديشو لكونها مركز الثقل الذي ينعقد وينحل منه مثل هكذا قرار مصيري، وهو أمر مستبعد الحدوث على الأقل في الظروف الحالية، لأن غالبية الشعب الصومالي يريد دولة صومالية موحدة ولا تجزئة فيها. وأي دولة أجنبية تريد من الصومال إبرام إتفاقية أو تفاهم، أو معاملات خارجية، مالية، عسكرية إلخ، “ما لم تكن هذه الأمور تمس بسيادة الوطن” فيجب على هذه الدولة أن تأتي للبيت الصومالي من بوابته الصحيحة، وليس من خلفه، والا فإنها ستعتبر إتفاقية غير قانونية “قرصنة”.
وهذا ما فعله رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية السيد حسن شيخ محمود، ووقع عليه بجعل هذا العقد لاغيا وباطلا بموافقة كلا المجلسين التشريعين.
متي يكون الإتفاق شرعيا وملزما؟
لكي يكون توقيع أي إتفاق ملزمًا وقانونيًا وملائما أو موافقا للقوانين والأعرف الدولية المتفق عليها، يجب أن يكون لدى الطرفين الموقعين سلطة على ما يوقعان عليه، مما يعني أن تكون الدولة معترفٍ بها دوليا، أما في حالة إتفاقية إثيوبيا وأرض الصومال فلا توافق مع هذا الإطار القانوني، “لأن أرض الصومال جزء من الصومال في النهاية” وتُعتبر إدارة إنفصالية قانونيا، وفي حال أنها حصلت فقط بضوء أخضر من الحكومة الفيدرالية الصومالية يصح لها التوقيع على مثل هذه الاتفاقية، ذلك أن المعيار القانوني الوحيد المقبول به دوليا أن يكون فسخ الوحدة من الدولة الأم، وهذا ما حدث لسنغافورة عند إستقلالها من ماليزيا، وإريتريا من إثيوبيا فلم تحصل تلك الدول على إستقلالها إلا بعد موافقة الدُوَل الأم، ذلك أن عدم تطبيق هذا المعيار سيجعل العالم، وخاصة إفريقيا المنكوبة بالصراعات والحركات الانفصالية محكوما بقانون الغاب، بحيث ينفصل هذا الإقليم وذاك من الدولة الأم، بسبب خلافات قد تكون بسيطة أو لأسباب قبلية بحتة، وتسود الحروب والنزاعات في القارة إلى الأبد.
ومثال آخر في تيمور الشرقية، فقد أصبحت دولة مستقلة ومعترف بها دوليا بعد موافقة إندونيسيا، ودولة جنوب السودان حققت إستقلالها عندما قبلت حكومة الخرطوم بذلك في عام 2005م، ضمن ما كان يعرف “بإتفاقية السلام الشامل”
كينيا و الصومال وقضية النزاع البحري:
نجحت الصومال على كينيا في الدفاع عن النزاع البحري بينهما بالمحكمة الجنائية الدولية، لأن الخطوط الحدودية المائية بين البلدين كانت معروفة مسبقا، ويتضح من هنا بأن إرادة إثيوبيا للتملك بموطئ قدم على البحر الأحمر في إطار إتفاقية مع إقليم إنفصالي غير معترف به يصبح إنتهاكا صارخا لسيادة ووحدة الصومال.
وإثيوبيا دولة غير ساحلية وحبيسة على مر العصور، وقد سبق لها أن طالبت حكوماتها المتعاقبة إبتداءً من الملك مليليك وحتى يومنا هذا بإنتزاع منفذ بحري من الصومال أو واحدة من دول الجوار، ولكن سيكون أي إستيلاء من إثيوبيا على جزء من الأراض الصومالية إحتلالا غير قانوني.
وهذا ما صرحت به الولايات المتحدة، فقد قالت وزارة الخارجية حسب ما كتبت صحيفة “أديس استاندر” على لسان المتحدث بإسم وزارة الخاجية الأمريكية: قال المتحدث بإسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، في معرض رده على الأسئلة المتعلقة بالموقف الأمريكي من تلك الإتفاقية خلال مؤتمر صحفي في يوم الأربعاء 3 يناير الجاري: “إن الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء التقارير الواردة من المنطقة، وأضاف: إننا ننضم إلى الشركاء الآخرين في التعبير عن قلقنا البالغ أيضًا بشأن تصاعد التوترات الناتجة في القرن الأفريقي.
مؤكدا من جديد إعتراف الولايات المتحدة بسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية وسلامتها الإقليمية، على النحو المحدد داخل حدودها عام 1960″.
وكذلك الإتحاد الأوروبي الذي ذكّر الأطراف “بأهمية إحترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية. وشدد بيان الإتحاد الأوروبي على أن الإلتزام بهذه المبادئ هو المفتاح للسلام والإستقرار في منطقة القرن الإفريقي بأكملها.
في حين أن الحكومة التركية وقفت بشكل قوي إلى جانب الحكومة الصومالية حسبما كتبت صحيفة (شرق إفريقيا.نت).
وندد المتحدث باسم الشؤون الخارجية التركية أونجو كيسيلي على خطوة إثيوبيا لانتهاكها الممارسات الدولية من خلال الدخول في صفقة مع إدارة أرض الصومال “دون علم وموافقة الحكومة الصومالية”. وأضاف إننا نؤكد من جديد التزامنا بوحدة وسيادة وسلامة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية. وقال في يوم الخميس ٤ يناير الجاري: نؤكد أن هذا أيضًا من متطلبات القانون الدولي.
وأيدت دولة كينيا موقف الإتحاد الإفريقي فقالت “إن كينيا تؤيد الإتحاد الإفريقي وطلبت من الجانبين إحترام سلامة أراضي كل منهما.
وكان موقفا السودان ومصر صريحا وواضحا من هذه الإتفاقية الباطلة، وأدان السودان، الحليف التقليدي للصومال، مذكرة التفاهم واعتبرها إنتهاكا.
أما جمهورية مصر العربية فقد ذهبت أبعد من ذلك مصرحة إن حماية وحدة الصومال على كامل ترابه مسألة لا يمكن تخطيها.
قالت الجزيرة.نت تحت عنوان: [ما الذي يخيف مصر من وجود إثيوبيا على البحر الأحمر؟]
“خطورة ذلك الإتفاق ليس في إقامة ميناء تجاري، إنما الهدف هو إقامة قاعدة عسكرية ضمن إستراتيجية آبي أحمد (رئيس وزراء إثيوبيا) في الوصول إلى منافذ بحرية، بأماكن في دول الجوار، وهو جزء من دعم جهات ودول له، وهذا التوسع يقلق مصر وإريتريا والصومال وجيبوتي، مع الأخذ في الاعتبار المواقف العدائية تجاه مصر، ومحاولة الإضرار بأمنها المائي، قالها الخبير في الشأن الإفريقي والأمن القومي اللواء محمد عبد الواحد، ورأى عبد الواحد أنه لا يمكن فهم ذلك بمعزل عن تطورات الأوضاع في القرن الإفريقي، والدعم الدولي والإقليمي للتحرك في هذا الإتجاه، إذ تراهن الدول الغربية على زيادة النفوذ الإثيوبي في إفريقيا، وذكر تاريخ إثيوبيا بكونها حائط الصد للمد العربي الإسلامي إلى جنوب القارة السمراء، وهو ما يفسر أنها لم تُحتل في تاريخها كله إلا 5 سنوات من قبل إيطاليا، وقام المجتمع الغربي ولم يَقعُد حينها، وفرض عقوبات قاسية على روما.
مضيفا إن وجود قاعدة عسكرية إثيوبية على البحر الأحمر يمثل تهديدا للأمن القومي والملاحي فيه، لأنها علاقة صراعية وغير تعاونية.
يسن شيخ رشيد إبراهيم.
طالب مرشح لنيل درجة الماجستير من جامعة غرب كيب تاون بحنوب إفريقيا.
09 يناير 2024م